الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

أي الزموا أنفسكم أو احفظوها كما تقول عليك زيداً أي الزمه، قرىء " لاَ يَضُرُّكُمْ " بالجزم على أنه جواب الأمر الذي يدلّ عليه اسم الفعل. وقرأ نافع وغيره بالرفع على أنه مستأنف، كقول الشاعر
فقال رائدهم أرسوا نزاولها   
أو على أن ضم الراء للاتباع، وقرىء { لاَ يَضُرُّكُمْ } بكسر الضاد، وقرىء «لا يضيركم» والمعنى لا يضركم ضلال من ضلّ من الناس إذا اهتديتم للحق أنتم في أنفسكم، وليس في الآية ما يدلّ على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من تركه مع كونه من أعظم الفروض الدينية فليس بمهتد. وقد قال الله سبحانه { إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } وقد دلت الآيات القرآنية، والأحاديث المتكاثرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوباً مضيقاً متحتماً، فتحمل هذه الآية على من لا يقدر على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو لا يظن التأثير بحال من الأحوال، أو يخشى على نفسه أن يحلّ به ما يضرّه ضرراً يسوغ له معه الترك { إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ } يوم القيامة { فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } في الدنيا فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته. وقد أخرج ابن أبي شيبة، وأحمد، وعبد ابن حميد، وأبو داود، والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، والدارقطني والضياء، في المختارة وغيرهم، عن قيس بن أبي حازم قال قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه وقال يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية { ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } وإنكم تضعونها على غير مواضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب " وفي لفظ لابن جرير عنه " والله لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر، أو ليعمنكم الله منه بعقاب " وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجه، وابن جرير، والبغوي في معجمه، وابن أبي حاتم والطبراني، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعثاني قال أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له كيف تصنع في هذه الآية؟ قال أية آية؟ قلت قوله { ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ } قال أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهنّ مثل القبض على الجمر، للعامل فيهنّ أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم "

السابقالتالي
2