الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ } * { مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـٰكِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ }

قيل المراد بالخبيث والطيب الحرام والحلال، وقيل المؤمن والكافر، وقيل العاصي والمطيع، وقيل الرديء والجيد. والأولى أن الاعتبار بعموم اللفظ فيشمل هذه المذكورات وغيرها مما يتصف بوصف الخبث والطيب من الأشخاص والأعمال والأقوال، فالخبيث لا يساوي الطيب بحال من الأحوال. قوله { وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ } قيل الخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل لكل مخاطب يصلح لخطابه بهذا. والمراد نفي الاستواء في كل الأحوال، ولو في حال كون الخبيث معجباً للرائي للكثرة التي فيه، فإن هذه الكثرة مع الخبيث في حكم العدم، لأن خبث الشيء يبطل فائدته، ويمحو بركته، ويذهب بمنفعته، والواو إما للحال أو للعطف على مقدّر أي لا يستوي الخبيث والطيب، لو لم تعجبك كثرة الخبيث، ولو أعجبك كثرة الخبيث، كقولك أحسن إلى فلان، وإن أساء إليك، أي أحسن إليه إن لم يسىء إليك، وإن أساء إليك، وجواب " لو " محذوف أي ولو أعجبك كثرة الخبيث فلا يستويان. قوله { ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } أي لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها، ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم، فقوله { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } في محل جر صفة لأشياء أي لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم أي ظهرت وكلفتم بها ساءتكم، نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن السؤال عما لا يعني ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سبباً لإيجابه على السائل وعلى غيره. قوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُم } هذه الجملة من جملة صفة أشياء، والمعنى لا تسألوا عن أشياء إن تسألوا عنها حين ينزل القرآن، وذلك مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم، ونزول الوحي عليه { تُبْدَ لَكُمْ } أي تظهر لكم بما يجيب عليكم به النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو ينزل به الوحي، فيكون ذلك سبباً للتكاليف الشاقة وإيجاب ما لم يكن واجباً وتحريم ما لم يكن محرّماً، بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال. وقد ظنّ بعض أهل التفسير، أن الشرطية الثانية فيها إباحة السؤال، مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه، فقال إن الشرطية الأولى أفادت عدم جواز السؤال، والثانية أفادت جوازه، فقال إن المعنى وإن تسألوا عن غيرها مما مست إليه الحاجة تبد لكم بجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، وجعل الضمير في { عَنْهَا } راجعاً إلى أشياء غير الأشياء المذكورة، وجعل ذلك كقوله

السابقالتالي
2 3 4 5