الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } * { وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ } * { فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }

قوله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ الجمهور { تقدّموا } بضم المثناة الفوقية، وتشديد الدال مكسورة، وفيه وجهان أحدهما أنه متعدّ، وحذف مفعوله لقصد التعميم، أو ترك المفعول للقصد إلى نفس الفعل كقولهم هو يعطي ويمنع، والثاني أنه لازم نحو وجه وتوجه، ويعضدّه قراءة ابن عباس، والضحاك، ويعقوب تقدموا بفتح التاء والقاف والدال. قال الواحدي قدم ها هنا بمعنى تقدّم، وهو لازم. قال أبو عبيدة العرب تقول لا تقدّم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي لا تعجل بالأمر دونه والنهي لأن المعنى لا تقدّموا قبل أمرهما ونهيهما، وبين يدي الإمام عبارة عن الإمام لا ما بين يدي الإنسان، ومعنى الآية لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله، ولا تعجلوا به. وقيل المراد معنى بين يدي فلان بحضرته لأن ما يحضره الإنسان، فهو بين يديه { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } في كلّ أموركم، ويدخل تحتها الترك للتقدّم بين يدي الله ورسوله دخولاً أوّلياً. ثم علل ما أمر به من التقوى بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } لكلّ مسموع { عَلِيمٌ } بكل معلوم { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَرْفَعُواْ أَصْوٰتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِىّ } يحتمل أن المراد حقيقة رفع الصوت لأن ذلك يدلّ على قلة الاحتشام وترك الاحترام لأن خفض الصوت وعدم رفعه من لوازم التعظيم والتوقير. ويحتمل أن يكون المراد المنع من كثرة الكلام ومزيد اللغط، والأوّل أولى. والمعنى لا ترفعوا أصواتكم إلى حدّ يكون فوق ما يبلغه صوت النبيّ صلى الله عليه وسلم. قال المفسرون المراد من الآية تعظيم النبي وتوقيره، وأن لا ينادوه كما ينادي بعضهم بعضاً { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ } أي لا تجهروا بالقول إذا كلمتموه، كما تعتادونه من الجهر بالقول إذا كلم بعضكم بعضاً. قال الزجاج أمرهم الله بتجليل نبيه، وأن يغضوا أصواتهم، ويخاطبوه بالسكينة والوقار، وقيل المراد بقوله { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ } لا تقولوا يا محمد ويا أحمد ولكن يا نبيّ، الله ويا رسول الله، توقيراً له، والكاف في محل نصب على أنها نعت مصدر محذوف، أي جهراً مثل جهر بعضكم لبعض، وليس المراد برفع الصوت وبالجهر في القول هو ما يقع على طريقة الاستخفاف، فإن ذلك كفر، وإنما المراد أن يكون الصوت في نفسه غير مناسب لما يقع في مواقف من يجب تعظيمه وتوقيره. والحاصل أن النهي هنا وقع عن أمور، الأوّل عن التقدّم بين يديه بما لا يأذن به من الكلام. والثاني عن رفع الصوت البالغ إلى حدّ يكون فوق صوته، سواء كان في خطابه، أو في خطاب غيره. والثالث ترك الجفاء في مخاطبته، ولزوم الأدب في مجاورته لأن المقاولة المجهورة إنما تكون بين الأكفاء الذين ليس لبعضهم على بعض مزية توجب احترامه وتوقيره.

السابقالتالي
2 3 4 5 6