الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَٰكَ شَٰهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً } * { لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } * { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً } * { وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيراً } * { وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } * { سَيَقُولُ ٱلْمُخَلَّفُونَ إِذَا ٱنطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُواْ كَلاَمَ ٱللَّهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ ٱللَّهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } أي على أمتك بتبليغ الرسالة إليهم { وَمُبَشّراً } بالجنة للمطيعين { وَنَذِيرًا } لأهل المعصية { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } قرأ الجمهور { لتؤمنوا } بالفوقية. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو بالتحتية، فعلى القراءة الأولى الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته، وعلى القراءة الثانية المراد المبشرين والمنذرين، وانتصاب { شاهداً ومبشراً ونذيراً } على الحال المقدرة { وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ } الخلاف بين القراء في هذه الثلاثة الأفعال كالخلاف في { لّتُؤْمِنُواْ } كما سلف، ومعنى تعزروه تعظموه وتفخموه قاله الحسن، والكلبي، والتعزير التعظيم والتوقير. وقال قتادة تنصروه وتمنعوا منه. وقال عكرمة تقاتلون معه بالسيف، ومعنى توقروه تعظموه. وقال السديّ تسوّدوه، قيل والضميران في الفعلين للنبي صلى الله عليه وسلم وهنا وقف تام، ثم يبتدىء وتسبحوه أي تسبحوا الله عزّ وجل { بُكْرَةً وَأَصِيلاً } أي غدوة وعشية، وقيل الضمائر كلها في الأفعال الثلاثة لله عزّ وجلّ، فيكون معنى تعزروه وتوقروه تثبتون له التوحيد، وتنفون عنه الشركاء، وقيل تنصروا دينه وتجاهدوا مع رسوله. وفي التسبيح وجهان، أحدهما التنزيه له سبحانه من كل قبيح، والثاني الصلاة. { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ } يعني بيعة الرضوان بالحديبية، فإنهم بايعوا تحت الشجرة على قتال قريش { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } أخبر سبحانه أن هذه البيعة لرسوله صلى الله عليه وسلم هي بيعة له كما قالمَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } النساء 80 وذلك لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة، وجملة { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } مستأنفة لتقرير ما قبلها على طريق التخييل، في محل نصب على الحال، والمعنى أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كعقده مع الله سبحانه من غير تفاوت. وقال الكلبي المعنى إن نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة. وقيل يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء. وقال ابن كيسان قوّة الله ونصرته فوق قوّتهم ونصرتهم { فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } أي فمن نقض ما عقد من البيعة، فإنما ينقض على نفسه لأن ضرر ذلك راجع إليه لا يجاوزه إلى غيره { وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَيْهِ ٱللَّهَ } أي ثبت على الوفاء بما عاهد الله عليه في البيعة لرسوله. قرأ الجمهور { عليه } بكسر الهاء وقرأ حفص، والزهري بضمها { فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً } وهو الجنة. قرأ الجمهور { فسيؤتيه } بالتحتية، وقرأ نافع، وقرأ كثير، وابن عامر بالنون، واختار القراءة الأولى أبو عبيد، وأبو حاتم، واختار القراءة الثانية الفراء. { سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأعْرَابِ } هم الذين خلفهم الله عن صحبة رسوله حين خرج عام الحديبية. قال مجاهد، وغيره يعني أعراب غفار، ومزينة، وجهينة، وأسلم، وأشجع، والدئل، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة.

السابقالتالي
2 3 4