الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ } * { فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }

قوله { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هم كفار قريش كفروا بالله، وصدّوا أنفسهم وغيرهم عن سبيل الله، وهو دين الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه، كذا قال مجاهد، والسديّ. وقال الضحاك معنى { عن سبيل الله } عن بيت الله بمنع قاصديه. وقيل هم أهل الكتاب، والموصول مبتدأ، وخبره { أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي أبطلها وجعلها ضائعة. قال الضحاك معنى { أَضَلَّ أَعْمَـٰلَهُمْ } أبطل كيدهم ومكرهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم، وجعل الدائرة عليهم في كفرهم. وقيل أبطل ما عملوه في الكفر مما كانوا يسمونه مكارم أخلاق من صلة الأرحام، وفكّ الأسارى وقري الأضياف، وهذه وإن كانت باطلة من أصلها، لكن المعنى أنه سبحانه حكم ببطلانها. ولما ذكر فريق الكافرين أتبعهم بذكر فريق المؤمنين، فقال { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَءامَنُواْ بِمَا نُزّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } ظاهر هذا العموم، فيدخل تحته كل مؤمن من المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ولا يمنع من ذلك خصوص سببها فقد قيل إنها نزلت في الأنصار، وقيل في ناس من قريش، وقيل في مؤمني أهل الكتاب، ولكن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وخص سبحانه الإيمان بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بالذكر مع اندراجه تحت مطلق الإيمان المذكور قبله تنبيهاً على شرفه وعلوّ مكانه، وجملة { وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبّهِمْ } معترضة بين المبتدأ، وهو قوله { وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ } ، وبين خبره، وهو قوله { كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } ومعنى كونه الحق أنه الناسخ لما قبله،وقوله { مّن رَّبّهِم } في محل نصب على الحال، ومعنى { كَفَّرَ عَنْهُمْ سيئاتهم } أي السيئات التي عملوها فيما مضى فإنه غفرها لهم بالإيمان، والعمل الصالح { سَيّئَـٰتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ } أي شأنهم وحالهم. قال مجاهد شأنهم، وقال قتادة حالهم. وقيل أمرهم، والمعاني متقاربة. قال المبرد البال الحال ها هنا. قيل والمعنى أنه عصمهم عن المعاصي في حياتهم، وأرشدهم إلى أعمال الخير، وليس المراد إصلاح حال دنياهم من إعطائهم المال، ونحو ذلك، وقال النقاش إن المعنى أصلح نياتهم، ومنه قول الشاعر
فإن تقبلي بالودّ أقبل بمثله وإن تدبري أذهب إلى حال باليا   
والإشارة بقوله { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما مرّ مما أوعد به الكفار، ووعد به المؤمنين، وهو مبتدأ خبره ما بعده، وقيل إنه خبر مبتدأ محذوف أي الأمر ذلك بسبب إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ، فالباطل الشرك، والحق التوحيد والإيمان، والمعنى أن ذلك الإضلال لأعمال الكافرين بسبب اتباعهم الباطل من الشرك بالله والعمل بمعاصيه، وذلك التكفير لسيئات المؤمنين وإصلاح بالهم، بسبب اتباعهم للحقّ الذي أمر الله باتباعه من التوحيد والإيمان، وعمل الطاعات { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } أي مثل ذلك الضرب يبين للناس أمثالهم، أي أحوال الفريقين الجارية مجرى الأمثال في الغرابة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6