الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } المراد بهؤلاء هم المنافقون، وقيل أهل الكتاب، وقيل هم المطعمون يوم بدر من المشركين، ومعنى صدّهم عن سبيل الله منعهم للناس عن الإسلام، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم معنى { شَاقُّواْ ٱلرَّسُولَ } عادوه وخالفوه { مّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى } أي علموا أنه صلى الله عليه وسلم نبيّ من عند الله بما شاهدوا من المعجزات الواضحة، والحجج القاطعة { لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً } بتركهم الإيمان وإصرارهم على الكفر، وما ضرّوا إلاّ أنفسهم { وَسَيُحْبِطُ أَعْمَـٰلَهُمْ } أي يبطلها، والمراد بهذه الأعمال ما صورته صورة أعمال الخير كإطعام الطعام، وصلة الأرحام، وسائر ما كانوا يفعلونه من الخير، وإن كانت باطلة من الأصل، لأن الكفر مانع، وقيل المراد بالأعمال المكائد التي نصبوها لإبطال دين الله، والغوائل التي كانوا يبغونها برسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أمر سبحانه عباده المؤمنين بطاعته وطاعة رسوله، فقال { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ } فيما أمرتم به من الشرائع المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله ثم نهاهم عن أن يبطلوا أعمالهم، كما أبطلت الكفار أعمالها بالإصرار على الكفر، فقال { وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَـٰلَكُمْ } قال الحسن أي لا تبطلوا حسناتكم بالمعاصي. وقال الزهري بالكبائر. وقال الكلبي، وابن جريج بالرياء والسمعة. وقال مقاتل بالمنّ. والظاهر النهي عن كل سبب من الأسباب التي توصل إلى بطلان الأعمال كائناً ما كان من غير تخصيص بنوع معين. ثم بيّن سبحانه أنه لا يغفر للمصرّين على الكفر، والصدّ عن سبيل الله، فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } فقيد سبحانه عدم المغفرة بالموت على الكفر لأن باب التوبة وطريق المغفرة لا يغلقان على من كان حياً، وظاهر الآية العموم وإن كان السبب خاصاً. ثم نهى سبحانه المؤمنين عن الوهن والضعف، فقال { فَلاَ تَهِنُواْ } أي تضعفوا عن القتال، والوهن الضعف { وَتَدْعُواْ إِلَى ٱلسَّلْمِ } أي ولا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداءً منكم، فإن ذلك لا يكون إلاّ عند الضعف. قال الزجاج منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا. وقرأ أبو عبد الرحمٰن السلمي وتدّعوا بتشديد الدال من ادّعى القوم وتداعوا. قال قتادة معنى الآية لا تكونوا أوّل الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها. واختلف أهل العلم في هذه الآية هل هي محكمة، أو منسوخة؟ فقيل إنها محكمة، وإنها ناسخة لقولهوَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا } الأنفال 61 وقيل منسوخة بهذه الآية. ولا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداءً، ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون، فالآيتان محكمتان، ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ، أو التخصيص، وجملة { وَأَنتُمُ الأعْلَوْنَ } في محل نصب على الحال، أو مستأنفة مقرّرة لما قبلها من النهي، أي وأنتم الغالبون بالسيف والحجة.

السابقالتالي
2 3