الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } * { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ } * { أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ } * { أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَىٰ لَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ } * { فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَٰنَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ } * { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ }

سأل المؤمنون ربهم عزّ وجلّ أن ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم سورة يأمرهم فيها بقتال الكفار حرصاً منهم على الجهاد، ونيل ما أعدّ الله للمجاهدين من جزيل الثواب، فحكى الله عنهم ذلك بقوله { وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَوْلاَ نُزّلَتْ سُورَةٌ } أي هلاّ نزلت { فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ } أي غير منسوخة { وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ } أي فرض الجهاد. قال قتادة كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشدّ القرآن على المنافقين، وفي قراءة ابن مسعود فإذا أنزلت سورة محدثة أي محدثة النزول، قرأ الجمهور { فإذا أنزلت } و { ذكر } على بناء الفعلين للمفعول، وقرأ زيد بن عليّ، وابن عمير نزلت و " ذكر " على بناء الفعلين للفاعل، ونصب القتال { رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } أي شك، وهم المنافقون { يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِىّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي ينظرون إليك نظر من شخص بصره عند الموت لجبنهم عن القتال، وميلهم إلى الكفار. قال ابن قتيبة، والزجاج يريد أنهم يشخصون نحوك بأبصارهم، وينظرون إليك نظراً شديداً، كما ينظر الشاخص بصره عند الوت { فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } قال الجوهري وقولهم " أولى " لك تهديد ووعيد، وكذا قال مقاتل، والكلبي، وقتادة. قال الأصمعي معنى قولهم في التهديد أولى لك، أي وليك، وقاربك ما تكره، وأنشد قول الشاعر
فعادى بين هاديتين منها وأولى أن يزيد على الثلاث   
أي قارب أن يزيد. قال ثعلب ولم يقل في أولى أحسن مما قاله الأصمعي. وقال المبرد يقال لمن همّ بالغضب ثم أفلت أولى لك، أي قاربت الغضب. وقال الجرجاني هو مأخوذ من الويل، أي فويل لهم، وكذا قال في الكشاف، قال قتادة أيضاً كأنه قال العقاب أولى لهم، وقوله { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ } كلام مستأنف، أي أمرهم طاعة، أو طاعة وقول معروف خير لكم. قال الخليل، وسيبويه إن التقدير طاعة وقول معروف أحسن، وأمثل لكم من غيرهما. وقيل إن طاعة خبر أولى، وقيل إن { طاعة } صفة لـ { سورة } ، وقيل إن { لهم } خبر مقدّم، و { طاعة } مبتدأ مؤخر، والأول أولى { فَإِذَا عَزَمَ ٱلأمْرُ } عزم الأمر جدّ الأمر، أي جدّ القتال ووجب وفرض، وأسند العزم إلى الأمر، وهو لأصحابه مجازاً، وجواب " إذا " قيل هو { فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ } في إظهار الإيمان والطاعة { لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ } من المعصية والمخالفة { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ } هذا خطاب للذين في قلوبهم مرض بطريق الالتفات لمزيد التوبيخ والتقريع. قال الكلبي أي فهل عسيتم إن توليتم أمر الأمة أن تفسدوا في الأرض بالظلم. وقال كعب { أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلاْرْضِ } أي بقتل بعضكم بعضاً، وقال قتادة إن توليتم عن طاعة كتاب الله عزّ وجلّ أن تفسدوا في الأرض بسفك الدماء، وتقطعوا أرحامكم.

السابقالتالي
2 3 4 5