الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } * { قَالُواْ يٰقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِيَ ٱللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءُ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاَغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

لما بيّن سبحانه أن في الإنس من آمن، وفيهم من كفر، بيّن أيضاً أن في الجنّ كذلك، فقال { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ ٱلْجِنّ } العامل في الظرف مقدّر، أي واذكر إذ صرفنا. أي وجهنا إليك نفراً من الجنّ، وبعثناهم إليك، وقوله { يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْءانَ } في محل نصب صفة ثانية لـ { نفراً } أو حال لأن النكرة قد تخصصت بالصفة الأولى { فَلَمَّا حَضَرُوهُ } أي حضروا القرآن عند تلاوته، وقيل حضروا النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون في الكلام التفات من الخطاب إلى الغيبة، والأول أولى { قَالُواْ أَنصِتُواْ } أي قال بعضهم لبعض اسكتوا، أمروا بعضهم بعضاً بذلك لأجل أن يسمعوا { فَلَمَّا قُضِىَ } قرأ الجمهور { قضي } مبنياً للمفعول، أي فرغ من تلاوته. وقرأ حبيب بن عبيد الله بن الزبير، ولاحق بن حميد، وأبو مجلز على البناء للفاعل، أي فرغ النبيّ صلى الله عليه وسلم من تلاوته، والقراءة الأولى تؤيد أن الضمير في { حَضَرُوهُ } للقرآن، والقراءة الثانية تؤيد أنه للنبيّ صلى الله عليه وسلم { وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } أي انصرفوا قاصدين إلى من وراءهم من قومهم منذرين لهم عن مخالفة القرآن، ومحذرين لهم، وانتصاب { منذرين } على الحال المقدّرة، أي مقدّرين الإنذار، وهذا يدل على أنهم آمنوا بالنبيّ، وسيأتي في آخر البحث بيان ذلك. { قَالُواْ يا قَوْمُنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَـٰباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ } يعنون القرآن وفي الكلام حذف، والتقدير فوصلوا إلى قومهم فقالوا يا قومنا. قال عطاء كانوا يهوداً فأسلموا { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ } أي لما قبله من الكتب المنزّلة { يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ } أي إلى الدين الحقّ { وَإِلَىٰ طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي إلى طريق الله القويم. قال مقاتل لم يبعث الله نبياً إلى الجنّ والإنس قبل محمد صلى الله عليه وسلم. { يٰقَوْمَنَا أَجِيبُواْ دَاعِىَ ٱللَّهِ وَءامِنُواْ به } يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم، أو القرآن { يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ } أي بعضها، وهو ما عدا حقّ العباد، وقيل " إن " من هنا لابتداء الغاية. والمعنى أنه يقع ابتداء الغفران من الذنوب، ثم ينتهي إلى غفران ترك ما هو الأولى، وقيل هي زائدة { وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } وهو عذاب النار، وفي هذه الآية دليل على أن حكم الجنّ حكم الإنس في الثواب والعقاب، والتعبد بالأوامر والنواهي. وقال الحسن ليس لمؤمني الجنّ ثواب غير نجاتهم من النار، وبه قال أبو حنيفة. والأوّل أولى، وبه قال مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى. وعلى القول الأوّل، فقال القائلون به أنهم بعد نجاتهم من النار يقال لهم كونوا تراباً، كما يقال للبهائم والثاني أرجح.

السابقالتالي
2 3 4 5