الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَلَقَدْ مَكَّنَاهُمْ فِيمَآ إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلاَ أَبْصَارُهُمْ وَلاَ أَفْئِدَتُهُمْ مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُواْ يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَحَاقَ بِهم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله { وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ } أي واذكر يا محمد لقومك أخا عاد، وهو هود بن عبد الله بن رباح، كان أخاهم في النسب، لا في الدين، وقوله { إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ } بدل اشتمال منه، أي وقت إنذاره إياهم { بِٱلأحْقَافِ } وهي ديار عاد، جمع حقف، وهو الرمل العظيم المستطيل المعوج قاله الخليل وغيره، وكانوا قهروا أهل الأرض بقوّتهم، والمعنى أن الله سبحانه أمره أن يذكر لقومه قصتهم ليتعظوا ويخافوا، وقيل أمره بأن يتذكر في نفسه قصتهم مع هود ليقتدي به ويهون عليه تكذيب قومه. قال عطاء الأحقاف رمال بلاد الشحر. وقال مقاتل هي باليمن في حضرموت، وقال ابن زيد هي رمال مبسوطة مستطيلة كهيئة الجبال، ولم تبلغ أن تكون جبالاً { وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أي وقد مضت الرسل من قبله ومن بعده، كذا قال الفراء وغيره. وفي قراءة ابن مسعود من بين يديه ومن بعده والجملة في محل نصب على الحال، ويجوز أن تكون معترضة بين إنذار هود، وبين قوله لقومه { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ } والأوّل أولى. والمعنى أعلمهم أن الرسل الذين بعثوا قبله، والذين سيبعثون بعده كلهم منذرون نحو إنذاره، ثم رجع إلى كلام هود لقومه، فقال حاكياً عنه { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } وقيل إن جعل تلك الجملة اعتراضية أولى بالمقام، وأوفق بالمعنى { قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءالِهَتِنَا } أي لتصرفنا عن عبادتها، وقيل لتزيلنا، وقيل لتمنعنا، والمعنى متقارب، ومنه قول عروة بن أذينة
إن تك عن حسن الصنيعة مأفو كاً ففي آخرين قد أفكوا   
يقول إن لم توفق للإحسان، فأنت في قوم قد صرفوا عن ذلك. { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا } من العذاب العظيم { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } في وعدك لنا به. { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ } أي إنما العلم بوقت مجيئه عند الله لا عندي { وَأُبَلّغُكُمْ مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ } إليكم من ربكم من الإنذار والإعذار، فأما العلم بوقت مجيء العذاب، فما أوحاه إليّ { وَلَـٰكِنّى أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } حيث بقيتم مصرّين على كفركم، ولم تهتدوا بما جئتكم به، بل اقترحتم عليّ ما ليس من وظائف الرسل. { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً } الضمير يرجع إلى «ما» في قوله { بِمَا تَعِدُنَا }. وقال المبرد، والزجاج الضمير في { رَأَوْهُ } يعود إلى غير مذكور، وبينه قوله { عَارِضاً } ، فالضمير يعود إلى السحاب، أي فلما رأوا السحاب عارضاً، فـ { عارضاً } نصب على التكرير، يعني التفسير، وسمي السحاب عارضاً لأنه يبدو في عرض السماء. قال الجوهري العارض السحاب يعترض في الأفق، ومنه قوله { هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا } وانتصاب { عارضاً } على الحال، أو التمييز { مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ } أي متوجهاً نحو أوديتهم.

السابقالتالي
2 3 4