الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } * { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

قوله { قُلْ أَرَءيْتُمْ } أي أخبروني { إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } يعني ما يوحى إليه من القرآن، وقيل المراد محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى إن كان مرسلاً من عند غير الله، وقوله { وَكَفَرْتُمْ بِهِ } في محل نصب على الحال بتقدير قد، وكذلك قوله { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ } والمعنى أخبروني إن كان ذلك في الحقيقة من عند الله والحال أنكم قد كفرتم به، وشهد شاهد من بني إسرائيل العالمين بما أنزل الله في التوراة على مثله، أي القرآن من المعاني الموجودة في التوراة، المطابقة له من إثبات التوحيد، والبعث والنشور وغير ذلك، وهذه المثلية هي باعتبار تطابق المعاني، وإن اختلفت الألفاظ. وقال الجرجاني مثل صلة، والمعنى وشهد شاهد عليه أنه من عند الله، وكذا قال الواحدي، { فَـئَامَنَ } الشاهد بالقرآن لما تبين له أنه من كلام الله، ومن جنس ما ينزله على رسله، وهذا الشاهد من بني إسرائيل هو عبد الله بن سلام، كما قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، وعكرمة وغيرهم، وفي هذا نظر فإن السورة مكية بالإجماع، وعبد الله بن سلام كان إسلامه بعد الهجرة، فيكون المراد بالشاهد رجلاً من أهل الكتاب قد آمن بالقرآن في مكة وصدقه، واختار هذا ابن جرير، وسيأتي في آخر البحث ما يترجح به أنه عبد الله بن سلام، وأن هذه الآية مدنية لا مكية. وروي عن مسروق أن المراد بالرجل موسى عليه السلام، وقوله { وَٱسْتَكْبَرْتُمْ } معطوف على شهد، أي آمن الشاهد، واستكبرتم أنتم عن الإيمان { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } فحرمهم الله سبحانه الهداية لظلمهم لأنفسهم بالكفر بعد قيام الحجة الظاهرة على وجوب الإيمان، ومن فقد هداية الله له ضلّ. وقد اختلف في جواب الشرط ماذا هو؟ فقال الزجاج محذوف، تقديره أتؤمنون، وقيل قوله { فآمن واستكبرتم } وقيل محذوف، تقديره فقد ظلمتم لدلالة { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } عليه، وقيل تقديره فمن أضلّ منكم، كما في قولهأَرَءيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أضل } الآية فصلت 52. وقال أبو علي الفارسي تقديره أتأمنون عقوبة الله؟ وقيل التقدير ألستم ظالمين؟ ثم ذكر سبحانه نوعاً آخر من أقاويلهم الباطلة فقال { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ } أي لأجلهم، ويجوز أن تكون هذه اللام هي لام التبليغ { لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ } أي لو كان ما جاء به محمد من القرآن والنبوّة خيراً ما سبقونا إليه لأنهم عند أنفسهم المستحقون للسبق إلى كل مكرمة، ولم يعلموا أن الله سبحانه يختصّ برحمته من يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، ويصطفي لدينه من يشاء { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } أي بالقرآن، وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل بالإيمان { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } ، فجاوزوا نفي خيرية القرآن إلى دعوى أنه كذب قديم، كما قالوا أساطير الأوّلين، والعامل في " إذ " مقدّر، أي ظهر عنادهم، ولا يجوز أن يعمل فيه { فَسَيَقُولُونَ } لتضادّ الزمانين، أعني المضيّ والاستقبال ولأجل الفاء أيضاً، وقيل إن العامل فيه فعل مقدّر من جنس المذكور، أي لم يهتدوا به، وإذ لم يهتدوا به فسيقولون { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ } قرأ الجمهور بكسر الميم من من على أنها حرف جرّ، وهي مع مجرورها خبر مقدّم، وكتاب موسى مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب على الحال، أو هي مستأنفة، والكلام مسوق لردّ قولهم { هَـٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ } فإن كونه قد تقدّم القرآن كتاب موسى، وهو التوراة وتوافقا في أصول الشرائع يدلّ على أنه حقّ، وأنه من عند الله، ويقتضي بطلان قولهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6