الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَابِهَا ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَفَلَمْ تَكُنْ ءَايَٰتِى تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَٱلسَّاعَةُ لاَ رَيْبَ فِيهَا قُلْتُم مَّا نَدْرِي مَا ٱلسَّاعَةُ إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ } * { وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { وَقِيلَ ٱلْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا وَمَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ ٱتَّخَذْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } * { فَلِلَّهِ ٱلْحَمْدُ رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَرَبِّ ٱلأَرْضِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَهُ ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعِزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

لما ذكر سبحانه ما احتج به المشركون، وما أجاب به عليهم ذكر اختصاصه بالملك، فقال { وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي هو المتصرف فيهما وحده لا يشاركه أحد من عباده، ثم توعد أهل الباطل، فقال { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاَعةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ ٱلْمُبْطِلُونَ } أي المكذبون الكافرون المتعلقون بالأباطيل يظهر في ذلك اليوم خسرانهم لأنهم يصيرون إلى النار، والعامل في { يوم } هو { يخسر } ، و { يومئذ } بدل منه، والتنوين للعوض عن المضاف إليه المدلول عليه بما أضيف إليه المبدل منه، فيكون التقدير ويوم تقوم الساعة يوم تقوم الساعة، فيكون بدلاً توكيدياً، والأولى أن يكون العامل في يوم هو ملك، أي ولله ملك يوم تقوم الساعة ويكون يومئذ معمولاً لـ { يخسر } { وَتَرَىٰ كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً } الخطاب لكل من يصلح له، أو للنبيّ صلى الله عليه وسلم، والأمة الملة، ومعنى جاثية مستوفزة، والمستوفز الذي لا يصيب الأرض منه إلاّ ركبتاه وأطراف أنامله، وذلك عند الحساب. وقيل معنى جاثية مجتمعة، قال الفراء المعنى وترى أهل كلّ ذي دين مجتمعين. وقال عكرمة متميزة عن غيرها. وقال مؤرج معناه بلغة قريش خاضعة. وقال الحسن باركة على الركب، والجثو الجلوس على الركب، تقول جثا يجثو ويجثي جثواً وجثياً إذا جلس على ركبتيه، والأوّل أولى. ولا ينافيه ورود هذا اللفظ لمعنى آخر في لسان العرب. وقد ورد إطلاق الجثوة على الجماعة من كل شيء في لغة العرب، ومنه قول طرفة يصف قبرين
ترى جثوتين من تراب عليهما صفائح صمّ من صفائح منضد   
وظاهر الآية أن هذه الصفة تكون لكل أمة من الأمم من غير فرق بين أهل الأديان المتبعين للرسل، وغيرهم من أهل الشرك. وقال يحيـى بن سلام هو خاصّ بالكفار، والأوّل أولى. ويؤيده قوله { كُلُّ أمَّةٍ تُدْعَىٰ إِلَىٰ كِتَـٰبِهَا } ، ولقوله فيما سيأتي { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ }. ومعنى { إلى كتابها } إلى الكتاب المنزّل عليها، وقيل إلى صحيفة أعمالها، وقيل إلى حسابها، وقيل اللوح المحفوظ، والأوّل أولى. قرأ الجمهور { كل أمة } بالرفع على الابتداء، وخبره { تدعى } ، وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من { كل أمة }. { ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشرّ. { هَـٰذَا كِتَـٰبُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقّ } هذا من تمام ما يقال لهم، والقائل بهذا هم الملائكة وقيل هو من قول الله سبحانه، أي يشهد عليكم، وهو استعارة، يقال نطق الكتاب بكذا، أي بيّن، وقيل إنهم يقرءونه فيذكرون ما عملوا، فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه، ولا نقصان، ومحل { ينطق } النصب على الحال، أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة، وجملة { إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } تعليل للنطق بالحقّ، أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم، أي بكتبها، وتثبيتها عليكم.

السابقالتالي
2 3 4