الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى ٱلْعَالَمينَ } * { وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَمَا ٱخْتَلَفُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } * { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ فَٱتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { هَـٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } * { وَخَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَلِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ ٱللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ ٱللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { وَقَالُواْ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَآ إِلاَّ ٱلدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتُواْ بِآبَآئِنَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { قُلِ ٱللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا بَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْكِتَـٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ } المراد بالكتاب التوراة، وبالحكم الفهم والفقه الذي يكون بهما الحكم بين الناس وفصل خصوماتهم، وبالنبوّة من بعثه الله من الأنبياء فيهم { وَرَزَقْنَاهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَاتِ } أي المستلذات التي أحلها الله لهم، ومن ذلك المنّ والسلوى { وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَى ٱلْعَـٰلَمينَ } من أهل زمانهم حيث آتيناهم ما لم نؤت من عداهم من فلق البحر ونحوه، وقد تقدّم بيان هذا في سورة الدخان { وَءاتَيْنَـٰهُم بَيّنَـٰتٍ مّنَ ٱلأمْرِ } أي شرائع واضحات في الحلال والحرام، أو معجزات ظاهرات، وقيل العلم بمبعث النبي، وشواهد نبوّته، وتعيين مهاجره { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي فما وقع الاختلاف بينهم في ذلك الأمر إلاّ بعد مجيء العلم إليهم ببيانه، وإيضاح معناه، فجعلوا ما يوجب زوال الخلاف موجباً لثبوته، وقيل المراد بالعلم يوشع بن نون، فإنه آمن به بعضهم وكفر بعضهم، وقيل نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فاختلفوا فيها حسداً وبغياً، وقيل { بَغِيّاً } من بعضهم على بعض بطلب الرئاسة { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } من أمر الدين، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته. { ثُمَّ جَعَلْنَـٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مّنَ ٱلأمْرِ } الشريعة في اللغة المذهب، والملة، والمنهاج، ويقال لمشرعة الماء وهي مورد شاربيه شريعة، ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد، فالمراد بالشريعة هنا ما شرعه الله لعباده من الدين، والجمع شرائع، أي جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلى الحق { فَٱتَّبِعْهَا } فاعمل بأحكامها في أمتك { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } توحيد الله وشرائعه لعباده، وهم كفار قريش ومن وافقهم { إِنَّهُمْ لَن يُغْنُواْ عَنكَ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً } أي لا يدفعون عنك شيئًا مما أراده الله بك إن اتبعت أهواءهم { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ } أي أنصار ينصر بعضهم بعضاً. قال ابن زيد إن المنافقين أولياء اليهود { وَٱللَّهُ وَلِىُّ ٱلْمُتَّقِينَ } أي ناصرهم، والمراد بالمتقين الذين اتقوا الشرك والمعاصي، والإشارة بقوله { هَـٰذَا } إلى القرآن، أو إلى اتباع الشريعة، وهو مبتدأ وخبره { بَصَائِرَ لِلنَّاسِ } أي براهين ودلائل لهم فيما يحتاجون إليه من أحكام الدين، جعل ذلك بمنزلة البصائر في القلوب، وقرىء هٰذه بصائر أي هذه الآيات لأن القرآن بمعناها، كما قال الشاعر
سائل بني أسد ما هذه الصوت   
لأن الصوت بمعنى الصيحة { وَهَدَىٰ } أي رشد، وطريق يؤدي إلى الجنة لمن عمل به { وَرَحْمَةٌ } من الله في الآخرة { لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } أي من شأنهم الإيقان، وعدم الشك، والتزلزل بالشُّبه { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيّئَـٰتِ } أم هي المنقطعة المقدرة ببل، والهمزة وما فيها من معنى بل للانتقال من البيان الأول إلى الثاني، والهمزة لإنكار الحسبان، والاجتراح الاكتساب، ومنه الجوارح، وقد تقدّم في المائدة، والجملة مستأنفة لبيان تباين حالي المسيئين والمحسنين، وهو معنى قوله { أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات } أي نسوّي بينهم مع اجتراحهم السيئات، وبين أهل الحسنات { سَوَاء مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } في دار الدنيا وفي الآخرة، كلا لا يستوون، فإن حال أهل السعادة فيهما غير حال أهل الشقاوة.

السابقالتالي
2 3 4