الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَلَمَّا جَآءَ عِيسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِٱلْحِكْمَةِ وَلأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } * { إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ }

لما قال سبحانه { وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءالِهَةً يُعْبَدُونَ } تعلق المشركون بأمر عيسى، وقالوا ما يريد محمد إلا أن نتخذه إلٰهاً كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم، فأنزل الله { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } كذا قال قتادة، ومجاهد. وقال الواحدي أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادلة ابن الزبعري مع النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالىإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } الأنبياء 98، فقال ابن الزبعري خصمتك، وربّ الكعبة، أليست النصارى يعبدون المسيح، واليهود عزيراً، وبنو مليح الملائكة؟ ففرح بذلك من قوله، فأنزل اللهإِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } الأنبياء 101، ونزلت هذه الآية المذكورة هنا، وقد مضى هذا في سورة الأنبياء. ولا يخفاك أن ما قاله ابن الزبعري مندفع من أصله، وباطل برمته، فإن الله سبحانه قالإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ } الأنبياء 98، ولم يقل " ومن تعبدون " حتى يدخل في ذلك العقلاء كالمسيح، وعزير، والملائكة { إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } أي إذا قومك يا محمد من ذلك المثل المضروب يصدّون، أي يضجون، ويصيحون فرحاً بذلك المثل المضروب، والمراد بقومه هنا كفار قريش. قرأ الجمهور { يصدّون } بكسر الصاد، وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي بضمها. قال الكسائي، والفراء، والزجاج، والأخفش هما لغتان، ومعناهما يضجون قال الجوهري صدّ يصدّ صديداً أي ضجّ. وقيل إنه بالضم الإعراض، وبالكسر من الضجيج، قاله قطرب. قال أبو عبيد لو كانت من الصدود عن الحق لقال إذا قومك عنه يصدّون. وقال الفراء هما سواء منه، وعنه. وقال أبو عبيدة من ضمّ، فمعناه يعدلون، ومن كسر، فمعناه يضجون. { وَقَالُواْ ءالِهَتِنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } أي ءآلهتنا خير أم المسيح؟ قال السدّي، وابن زيد خاصموه، وقالوا إن كان كل من عبد غير الله في النار، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى، وعزير، والملائكة. وقال قتادة يعنون محمداً، أي ءآلهتنا خير أم محمد؟ ويقوّي هذا قراءة ابن مسعود ءآلهتنا خير أم هذا. قرأ الجمهور بتسهيل الهمزة الثانية بين بين، وقرأ الكوفيون، ويعقوب بتحقيقها. { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } أي ما ضربوا لك هذا المثل في عيسى إلا ليجادلوك، على أن جدلاً منتصب على العلة، أو مجادلين على أنه مصدر في موضع الحال، وقرأ ابن مقسم جدالاً { بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } أي شديدو الخصومة كثيرو اللدد عظيمو الجدل. ثم بيّن سبحانه أن عيسى ليس بربّ، وإنما هو عبد من عباده اختصه بنبوّته، فقال { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } بما أكرمناه به { وَجَعَلْنَـٰهُ مَثَلاً لّبَنِى إِسْرٰءيلَ } أي آية، وعبرة لهم يعرفون به قدرة الله سبحانه، فإنه كان من غير أب، وكان يحيـي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، وكل مريض { وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلَـئِكَةً فِى ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } أي لو نشاء أهلكناكم وجعلنا بدلاً منكم ملائكة في الأرض يخلفون، أي يخلفونكم فيها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6