الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } * { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

لما أعلم الله سبحانه نبيه بأنه منتقم له من عدوّه، وذكر اتفاق الأنبياء على التوحيد، أتبعه بذكر قصة موسى، وفرعون، وبيان ما نزل بفرعون وقومه من النقمة، فقال { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـئَايَـٰتِنَا } ، وهي التسع التي تقدّم بيانها { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ } الملأ الأشراف { فَقَالَ إِنّى رَسُولُ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أرسلني إليكم { فَلَمَّا جَاءهُم بِـئَايَـٰتِنَا إِذَا هُم مِنْهَا يَضْحَكُونَ } استهزاء وسخرية، وجواب لما هو إذا الفجائية، لأن التقدير فاجئوا وقت ضحكهم { وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } أي كل واحدة من آيات موسى أكبر مما قبلها، وأعظم قدراً مع كون التي قبلها عظيمة في نفسها، وقيل المعنى إن الأولى تقتضي علماً، والثانية تقتضي علماً، فإذا ضمت الثانية إلى الأولى ازداد الوضوح، ومعنى الأخوّة بين الآيات أنها متشاكلة متناسبة في دلالتها على صحة نبوّة موسى كما يقال هذه صاحبة هذه، أي هما قرينتان في المعنى. وجملة { إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } في محل جرّ صفة لآية، وقيل المعنى أن كل واحدة من الآيات إذا انفردت ظنّ الظانّ أنها أكبر من سائر الآيات، ومثل هذا قول القائل
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري   
{ وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي بسبب تكذيبهم بتلك الآيات، والعذاب هو المذكور في قولهوَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بِٱلسّنِينَ وَنَقْصٍ مّن ٱلثَّمَرَاتِ } الآية الأعراف 130، وبين سبحانه أن العلة في أخذه لهم بالعذاب هو رجاء رجوعهم، ولماعاينوا ماجاءهم به من الآيات البينات، والدلالات الواضحات ظنوا أن ذلك من قبيل السحر. { وَقَالُواْ ياأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ } ، وكانوا يسمون العلماء سحرة، ويوقرون السحرة، ويعظمونهم، ولم يكن السحر صفة ذم عندهم. قال الزجاج خاطبوه بما تقدّم له عندهم من التسمية بالساحر { ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ } أي بما أخبرتنا من عهده إليك إنا إذا آمنا كشف عنا العذاب، وقيل المراد بالعهد النبوّة، وقيل استجابة الدعوة على العموم { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } أي إذا كشف عنا العذاب الذي نزل بنا، فنحن مهتدون فيما يستقبل من الزمان، ومؤمنون بما جئت به. { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } في الكلام حذف، والتقدير فدعا موسى ربه، فكشف عنهم العذاب، فلما كشف عنهم العذاب، فاجئوا وقت نكثهم للعهد الذي جعلوه على أنفسهم من الاهتداء، والنكث النقض. { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ } قيل لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إلى موسى، فجمعهم، ونادى بصوته فيما بينهم، أو أمر منادياً ينادي بقوله { يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ } لا ينازعني فيه أحد، ولا يخالفني مخالف { وَهَـٰذِهِ ٱلأنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى } أي من تحت قصري، والمراد أنهار النيل، وقال قتادة المعنى تجري بين يديّ.

السابقالتالي
2 3