الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } * { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا قَالَ يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } * { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ } * { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } * { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } * { أَوْ نُرِيَنَّكَ ٱلَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُّقْتَدِرُونَ } * { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } * { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ }

قوله { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ } يقال عشوت إلى النار قصدتها، وعشوت عنها أعرضت عنها، كما تقول عدلت إلى فلان، وعدلت عنه، وملت إليه، وملت عنه، كذا قال الفراء، والزجاج، وأبو الهيثم، والأزهري. فالمعنى ومن يعرض عن ذكر الرحمٰن. قال الزجاج معنى الآية أن من أعرض عن القرآن، وما فيه من الحكمة إلى أباطيل المضلين يعاقبه الله بشيطان يقيضه له حتى يضله، ويلازمه قريناً له، فلا يهتدى مجازاة له حين آثر الباطل على الحق البين. وقال الخليل العشو النظر الضعيف، ومنه
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره إذا الريح هبت والمكان جديب   
والظاهر أن معنى البيت القصد إلى النار لا النظر إليها ببصر ضعيف كما قال الخليل، فيكون دليلاً على ما قدّمنا من أنه يأتي بمعنى القصد، وبمعنى الإعراض، وهكذا ما أنشده الخليل مستشهداً به على ما قاله من قول الحطيئة
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد   
فإن الظاهر أن معناه تقصد إلى ضوء ناره، لا تنظر إليها ببصر ضعيف. ويمكن أن يقال إن المعنى في البيتين المبالغة في ضوء النار، وسطوعها، بحيث لا ينظرها الناظر إلاّ كما ينظر من هو معشي البصر لما يلحق بصره من الضعف عند ما يشاهده من عظم وقودها. وقال أبو عبيدة، والأخفش إن معنى { وَمَن يَعْشُ } ومن تظلم عينه، وهو نحو قول الخليل، وهذا على قراءة الجمهور { ومن يعش } بضم الشين من عشا يعشو. وقرأ ابن عباس، وعكرمة ومن يعش بفتح الشين، يقال عشي الرجل يعشى عشياً إذا عمى، ومنه قول الأعشى
رأت رجلاً غايب الوافديـ ـن مختلف الخلق أعشى ضريرا   
وقال الجوهري والعشا مقصور، مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل، ويبصر بالنهار، والمرأة عشواء. وقرىء يعشو بالواو على أن «من» موصولة غير متضمنة معنى الشرط. قرأ الجمهور { نُقَيّضْ لَهُ شَيْطَاناً } بالنون وقرأ السلمي، وابن أبي إسحاق، ويعقوب، وعصمة عن عاصم، والأعمش بالتحتية مبنياً للفاعل، وقرأ ابن عباس بالتحتية مبنياً للمفعول ورفع شيطان على النيابة { فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } أي ملازم له لا يفارقه، أو هو ملازم للشيطان لا يفارقه، بل يتبعه في جميع أموره، ويطيعه في كلّ ما يوسوس به إليه { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي وإن الشياطين الذين يقيضهم الله لكلّ أحد ممن يعشو عن ذكر الرحمٰن كما هو معنيّ من { ليصدّونهم } ، أي يحولون بينهم، وبين سبيل الحق، ويمنعونهم منه، ويوسوسون لهم أنهم على الهدى حتى يظنون صدق ما يوسوسون به، وهو معنى قوله { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } أي يحسب الكفار أن الشياطين مهتدون، فيطيعونهم، أو يحسب الكفار بسبب تلك الوسوسة أنهم في أنفهسم مهتدون { حَتَّىٰ إِذَا جَاءنَا } قرأ الجمهور بالتثنية، أي الكافر والشيطان المقارن له، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي، وحفص بالإفراد أي الكافر، أو جاء كلّ واحد منهما { قَالَ } الكافر مخاطباً للشيطان { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } أي بعد ما بين المشرق والمغرب، فغلب المشرق على المغرب.

السابقالتالي
2 3