الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } * { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } * { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } * { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } * { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } * { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ ٱلْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } * { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ ٱلنَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ }

ذكر سبحانه بعض آياته الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده، وصدق ما وعد به من البعث، فقال { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي خلقهما على هذه الكيفية العجيبة، والصنعة الغريبة { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ } يجوز عطفه على خلق، ويجوز عطفه على السمٰوات، والدابة اسم لكل ما دبّ. قال الفراء أراد ما بثّ في الأرض دون السماء كقولهيَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } الرحمٰن 22، وإنما يخرج من الملح دون العذب. وقال أبو عليّ الفارسي تقديره وما بثّ في أحدهما، فحذف المضاف. قال مجاهد يدخل في هذا الملائكة، والناس، وقد قال تعالىوَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } النمل 8 { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } أي حشرهم يوم القيامة { إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ } ، الظرف متعلق بجمعهم لا بقدير قال أبو البقاء لأن ذلك يؤدي، وهو على جمعهم قدير إذا يشاء، فتتعلق القدرة بالمشيئة، وهو محال، قال شهاب الدين ولاأدري ما وجه كونه محالاً على مذهب أهل السنّة. فإن كان يقول بقول المعتزلة، وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } أي ما أصابكم من المصائب كائنة ما كانت، فبسبب ما كسبت أيديكم من المعاصي. قرأ نافع، وابن عامر بما كسبت بغير فاء، وقرأ الباقون بالفاء. «وما» في { وَمَا أَصَـٰبَكُمْ } هي الشرطية، ولهذا دخلت الفاء في جوابها على قراءة الجمهور، ولا يجوز حذفها عند سيبويه، والجمهور، وجوّز الأخفش الحذف كما في قولهوَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } الأنعام 121، وقول الشاعر
من يفعل الحسنات الله يشكرها والشرّ بالشرّ عند الله مثلان   
وقيل هي الموصولة، فيكون الحذف، والإثبات جائزين، والأوّل أولى. قال الزجاج إثبات الفاء أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط، ومن حذف الفاء فعلى أن ما في معنى الذي، والمعنى الذي أصابكم وقع بما كسبت أيديكم. قال الحسن المصيبة هنا الحدود على المعاصي، والأولى الحمل على العموم كما يفيده وقوع النكرة في سياق النفي، ودخول من الاستغراقية عليها { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } من المعاصي التي يفعلها العباد، فلا يعاقب عليها، فمعنى الآية أنه يكفر عن العبد بما يصيبه من المصائب، ويعفو عن كثير من الذنوب. وقد ثبتت الأدلة الصحيحة أن جميع ما يصاب به الإنسان في الدنيا يؤجر عليه، أو يكفر عنه من ذنوبه. وقيل هذه الآية مختصة بالكافرين على معنى أن ما يصابون به بسبب ذنوبهم من غير أن يكون ذلك مكفراً عنهم لذنب، ولا محصلاً لثواب، ويترك عقوبتهم عن كثير من ذنوبهم، فلا يعاجلهم في الدنيا بل يمهلهم إلى الدار الآخرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7