الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } * { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } * { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } * { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ }

قوله { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } أي كثير اللطف بهم بالغ الرأفة لهم. قال مقاتل لطيف بالبارّ، والفاجر حيث لم يقتلهم جوعاً بمعاصيهم. قال عكرمة بارّ بهم. وقال السدي رفيق بهم. وقيل حفيّ بهم. وقال القرطبي لطيف بهم في العرض، والمحاسبة. وقيل غير ذلك. والمعنى أنه يجري لطفه على عباده في كل أمورهم، ومن جملة ذلك الرزق الذي يعيشون به في الدنيا، وهو معنى قوله { يَرْزُقُ مَن يَشَاء } منهم كيف يشاء، فيوسع على هذا، ويضيق على هذا { وَهُوَ ٱلْقَوِىُّ } العظيم القوّة الباهرة القادرة { ٱلْعَزِيزُ } الذي يغلب كل شيء، ولا يغلبه شيء { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلأَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ } الحرث في اللغة الكسب، يقال هو يحرث لعياله، ويحترث، أي يكتسب. ومنه سمي الرجل حارثاً، وأصل معنى الحرث إلقاء البذر في الأرض، فأطلق على ثمرات الأعمال، وفوائدها بطريق الاستعارة والمعنى من كان يريد بأعماله، وكسبه ثواب الآخرة يضاعف الله له ذلك الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف. وقيل معناه يزيد في توفيقه، وإعانته، وتسهيل سبل الخير له { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } أي من كان يريد بأعماله، وكسبه ثواب الدنيا، وهو متاعها، وما يرزق الله به عباده منها نعطه منها ما قضت به مشيئتنا، وقسم له في قضائنا. قال قتادة معنى { نُؤْتِهِ مِنْهَا } نقدّر له ما قسم له كما قالعَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء } الإسراء 18، وقال قتادة أيضاً إن الله يعطي على نية الآخرة ما شاء من أمر الدنيا، ولا يعطي على نية الدنيا إلاّ الدنيا. قال القشيري والظاهر أن الآية في الكافر، وهو تخصيص بغير مخصص. ثم بيّن سبحانه أن هذا الذي يريد بعمله الدنيا لا نصيب له في الآخرة، فقال { وَمَا لَهُ فِى ٱلأَخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } لأنه لم يعمل للآخرة، فلا نصيب له فيها، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة الإسراء. { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ ٱلدّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } لما بين سبحانه القانون في أمر الدنيا، والآخرة أردفه ببيان ما هو الذنب العظيم الموجب للنار، والهمزة لاستفهام التقرير والتقريع، وضمير { شرعوا } عائد إلى الشركاء، وضمير { لهم } إلى الكفار. وقيل العكس، والأوّل أولى. ومعنى { مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } ما لم يأذن به من الشرك، والمعاصي { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ } ، وهي تأخير عذابهم حيث قالبَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } القمر 46 { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } في الدنيا، فعوجلوا بالعقوبة، والضمير في بينهم راجع إلى المؤمنين، والمشركين، أو إلى المشركين، وشركائهم { وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي المشركين، والمكذبين لهم عذاب أليم في الدنيا، والآخرة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7