الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ } * { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } * { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } * { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ ٱلُخَاسِرِينَ } * { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ }

لما ذكر سبحانه عادًا، وثمود إجمالاً ذكر ما يختص بكل طائفة من الطائفتين تفصيلاً، فقال { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِى ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّ } أي تكبروا عن الإيمان بالله، وتصديق رسله، واستعلوا على من في الأرض بغير الحق، أي بغير استحقاق ذلك الذي وقع منهم من التكبر، والتجبر. ثم ذكر سبحانه بعض ما صدر عنهم من الأقوال الدالة على الاستكبار، فقال { وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } ، وكانوا ذوي أجسام طوال، وقوّة شديدة، فاغترّوا بأجسامهم حين تهدّدهم هود بالعذاب، ومرادهم بهذا القول أنهم قادرون على دفع ما ينزل بهم من العذاب، فردّ الله عليهم بقوله { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِى خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً } ، والاستفهام للاستنكار عليهم، وللتوبيخ لهم، أي أو لم يعلموا بأن الله أشد منهم قدرة، فهو قادر على أن ينزل بهم من أنواع عقابه ما شاء بقوله كن، فيكون { وَكَانُواْ بِـئَايَـٰتِنَا يَجْحَدُونَ } أي بمعجزات الرسل التي خصهم الله بها، وجعلها دليلاً على نبوّتهم، أو بآياتنا التي أنزلناها على رسلنا، أو بآياتنا التكوينية التي نصبناها لهم، وجعلناها حجة عليهم، أو بجميع ذلك. ثم ذكر سبحانه ما أنزل عليهم من عذابه، فقال { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً } الصرصر الريح الشديدة الصوت من الصرّة، وهي الصيحة. قال أبو عبيدة معنى صرصر شديدة عاصفة. وقال الفراء هي الباردة تحرق كما تحرق النار. وقال عكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة هي الباردة، وأنشد قطرب قول الحطيئة
المطعمون إذا هبت بصرصرة والحاملون إذا استودوا عن الناس   
أي إذا سئلوا الدية. وقال مجاهد هي الشديدة السموم، والأولى تفسيرها بالبرد، لأن الصرّ في كلام العرب البرد، ومنه قول الشاعر
لها غرد كقرون النسا ء ركبن في يوم ريح وصر   
قال ابن السكيت صرصر يجوز أن يكون من الصرّ، وهو البرد، ويجوز أن يكون من صرصر الباب، ومن الصرة وهي الصيحة، ومنهفَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِى صَرَّةٍ } الذاريات 29. ثم بيّن سبحانه وقت نزول ذلك العذاب عليهم، فقال { فِى أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } أي مشئومات ذوات نحوس. قال مجاهد، وقتادة كنّ آخر شوّال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء، وذلك سبع ليال، وثمانية أيام حسوماً. وقيل نحسات باردات. وقيل متتابعات. وقيل شداد. وقيل ذوات غبار. قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو نحسات بإسكان الحاء على أنه جمع نحس، وقرأ الباقون بكسرها، واختار أبو حاتم القراءة الأولى لقولهفِى يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرّ } القمر 19 واختار أبو عبيدة القراءة الثانية. { لّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } أي لكي نذيقهم، والخزي هو الذل، والهوان بسبب ذلك الاستكبار { وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَخْزَىٰ } أي أشدّ إهانة، وذلاً، ووصف العذاب بذلك، وهو في الحقيقة وصف للمعذبين، لأنهم الذين صاروا متصفين بالخزي { وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } أي لا يمنعون من العذاب النازل بهم، ولا يدفعه عنهم دافع.

السابقالتالي
2 3 4