الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوۤاْ أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَابِ وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } * { إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ } * { فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } * { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ } * { مِن دُونِ ٱللَّهِ قَـالُواْ ضَـلُّواْ عَنَّا بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَافِرِينَ } * { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ } * { ٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ } * { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } * { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ فَإِذَا جَـآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ قُضِيَ بِٱلْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } * { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُمْ مِّنَ ٱلْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } * { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا سُنَّتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ ٱلْكَافِرُونَ }

أمر الله سبحانه رسوله أن يخبر المشركين بأن الله نهاه عن عبادة غيره، وأمره بالتوحيد، فقال { قُلْ إِنّى نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } وهي الأصنام. ثم بيّن وجه النهي، فقال { لَمَّا جَاءنِى ٱلْبَيّنَـٰتُ مِن رَّبّى } ، وهي الأدلة العقلية والنقلية، فإنها توجب التوحيد { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي أستسلم له بالانقياد، والخضوع. ثم أردف هذا بذكر دليل من الأدلة على التوحيد، فقال { هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ } أي خلق أباكم الأوّل، وهو أدم، وخلقه من تراب يستلزم خلق ذرّيته منه { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } قد تقدّم تفسير هذا في غير موضع { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } أي أطفالاً، وأفرده لكونه اسم جنس، أو على معنى يخرج كلّ واحد منكم طفلاً { ثُمَّ لِتَـبْلُغُواْ أَشُدَّكُـمْ } ، وهي الحالة التي تجتمع فيها القوّة، والعقل. وقد سبق بيان الأشدّ مستوفى في الأنعام، واللام التعليلية في { لتبلغوا } معطوفة على علة أخرى، { ليخرجكم } مناسبة لها، والتقدير لتكبروا شيئًا، فشيئا، ثم لتبلغوا غاية الكمال، وقوله { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً } معطوف على لتبلغوا، قرأ نافع، وحفص، وأبو عمرو، وابن محيصن، وهشام { شيوخاً } بضم الشين، وقرأ الباقون بكسرها، وقرىء وشيخاً على الإفراد لقوله طفلاً، والشيخ من جاوز أربعين سنة { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } أي من قبل الشيخوخة { وَلِتَبْلُغُواْ أَجَلاً مُّسَمًّى } أي وقت الموت، أو يوم القيامة، واللام هي لام العاقبة { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } أي لكي تعقلوا توحيد ربكم، وقدرته البالغة في خلقكم على هذه الأطوار المختلفة { هُوَ ٱلَّذِى يُحْيِـي وَيُمِيت } أي يقدر على الإحياء، والإماتة { فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً } من الأمور التي يريدها { فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } من غير توقف، وهو تمثيل لتأثير قدرته في المقدورات عند تعلق إرادته بها، وقد تقدّم تحقيق معناه في البقرة، وفيما بعدها. ثم عجب سبحانه من أحوال المجادلين في آيات الله، فقال { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ } ، وقد سبق بيان معنى المجادلة { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } أي كيف يصرفون عنها مع قيام الأدلة الدالة على صحتها، وأنها في أنفسها موجبة للتوحيد. قال ابن زيد هم المشركون بدليل قوله { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَـٰبِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } قال القرطبي وقال أكثر المفسرين نزلت في القدرية. قال ابن سيرين إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية، فلا أدري فيمن نزلت، ويجاب عن هذا بأن الله سبحانه قد وصف هؤلاء بصفة تدلّ على غير ما قالوه، فقال { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَـٰبِ } أي بالقرآن، وهذا وصف لا يصحّ أن يطلق على فرقة من فرق الإسلام، والموصول إما في محل جرّ على أنه نعت للموصول الأوّل، أو بدل منه، ويجوز أن يكون في محل نصب على الذمّ، والمراد بالكتاب إما القرآن، أو جنس الكتب المنزلة من عند الله، وقوله { وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } معطوف على قوله { بالكتاب } ، ويراد به ما يوحى إلى الرسل من غير كتاب إن كانت اللام في الكتاب للجنس، أو سائر الكتب إن كان المراد بالكتاب القرآن { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } عاقبة أمرهم، ووبال كفرهم، وفي هذا وعيد شديد، والظرف في قوله { إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } متعلق { بيعلمون } ، أي فسوف يعلمون وقت كون الأغلال في أعناقهم { وٱلسَّلَـٰسِلُ } معطوف على الأغلال، والتقدير إذ الأغلال، والسلاسل في أعناقهم، ويجوز أن يرتفع السلاسل على أنه مبتدأ وخبره محذوف لدلالة في أعناقهم عليه، ويجوز أن يكون خبره { يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ } بحذف العائد، أي يسحبون بها في الحميم، وهذا على قراءة الجمهور برفع السلاسل، وقرأ ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وأبو الجوزاء بنصبها، وقرءوا يسحبون بفتح الياء مبنياً للفاعل، فتكون السلاسل مفعولاً مقدّماً، وقرأ بعضهم بجرّ السلاسل.

السابقالتالي
2 3 4 5