الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيٰقَوْمِ مَا لِيۤ أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِيۤ إِلَى ٱلنَّارِ } * { تَدْعُونَنِي لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِيۤ إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِي ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَآ إِلَى ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ } * { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } * { ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } * { وَإِذْ يَتَحَآجُّونَ فِي ٱلنَّـارِ فَيَقُولُ ٱلضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْـبَرُوۤاْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ ٱلنَّارِ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ ٱلْعِبَادِ } * { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } * { قَالُوۤاْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَىٰ قَالُواْ فَٱدْعُواْ وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } * { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } * { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ }

كرّر ذلك الرجل المؤمن دعاءهم إلى الله، وصرّح بإيمانه، ولم يسلك المسالك المتقدّمة من إيهامه لهم أنه منهم، وأنه إنما تصدّى التذكير كراهة أن يصيبهم بعض ما توعدهم به موسى كما يقوله الرجل المحبّ لقومه من التحذير عن الوقوع فيما يخاف عليهم الوقوع فيه، فقال { وَيٰقَوْمِ مَا لِى أَدْعُوكُـمْ إِلَى ٱلنَّجَوٰةِ وَتَدْعُونَنِى إِلَى ٱلنَّارِ } أي أخبروني عنكم كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار، ودخول الجنة بالإيمان بالله، وإجابة رسله، وتدعونني إلى النار بما تريدونه مني من الشرك. قيل معنى { مَا لِى أَدْعُوكُـمْ } ما لكم أدعوكم؟ كما تقول ما لي أراك حزيناً، أي ما لك. ثم فسر الدعوتين، فقال { تَدْعُونَنِى لأَكْـفُرَ بِٱللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } ، فقوله تدعونني بدل من تدعونني الأولى، أو بيان لها { مَا لَيْسَ لِى بِهِ عِلْمٌ } أي ما لا علم لي بكونه شريكاً لله { وَأَنَاْ أَدْعُوكُمْ إِلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلْغَفَّارِ } أي إلى العزيز في انتقامه ممن كفر { ٱلْغَفَّارُ } لذنب من آمن به. { لاَ جَرَمَ } قد تقدّم تفسير هذا في سورة هود، وجرم فعل ماض بمعنى حقّ، ولا الداخلة عليه لنفي ما ادّعوه، وردّ ما زعموه، وفاعل هذا الفعل هو قوله { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِى ٱلدُّنْيَا وَلاَ فِى ٱلأَخِرَةِ } أي حقّ، ووجب بطلان دعوته. قال الزجاج معناه ليس له استجابة دعوة تنفع. وقيل ليس له دعوة توجب له الألوهية في الدنيا، ولا في الآخرة. وقال الكلبي ليس له شفاعة { وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى ٱللَّهِ } أي مرجعنا، ومصيرنا إليه بالموت أوّلاً، وبالبعث آخراً، فيجازي كل أحد بما يستحقه من خير، وشرّ { وَأَنَّ ٱلْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } أي المستكثرين من معاصي الله. قال قتادة، وابن سيرين يعني المشركين. وقال مجاهد، والشعبي هم السفهاء السفاكون للدّماء بغير حقها. وقال عكرمة الجبارون، والمتكبرون. وقيل هم الذين تعدّوا حدود الله، «وأن» في الموضعين عطف على «أن» في قوله { أَنَّمَا تَدْعُونَنِى إِلَيْهِ } ،والمعنى وحقّ أن مردّنا إلى الله، وحقّ أن المسرفين إلخ { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُـمْ } إذا نزل بكم العذاب، وتعلمون أني قد بالغت في نصحكم، وتذكيركم، وفي هذا الإبهام من التخويف، والتهديد ما لا يخفى { وَأُفَوّضُ أَمْرِى إِلَى ٱللَّهِ } أي أتوكل عليه، وأسلم أمري إليه. قيل إنه قال هذا لما أرادوا الإيقاع به. قال مقاتل هرب هذا المؤمن إلى الجبل، فلم يقدروا عليه. وقيل القائل هو موسى، والأوّل أولى. { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } أي وقاه الله ما أرادوا به من المكر السيّىء، وما أرادوه به من الشرّ.

السابقالتالي
2 3 4