الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } * { قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ } * { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـيِّ ٱلْكَبِيرِ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ } * { فَٱدْعُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَافِرُونَ } * { رَفِيعُ ٱلدَّرَجَاتِ ذُو ٱلْعَرْشِ يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } * { يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } * { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } * { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلأَزِفَةِ إِذِ ٱلْقُلُوبُ لَدَى ٱلْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ } * { يَعْلَمُ خَآئِنَةَ ٱلأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي ٱلصُّدُورُ } * { وَٱللَّهُ يَقْضِي بِٱلْحَقِّ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

لما ذكر سبحانه حال أصحاب النار، وأنها حقت عليهم كلمة العذاب، وأنهم أصحاب النار ذكر أحوالهم بعد دخول النار، فقال { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوْنَ }. قال الواحدي قال المفسرون إنهم لما رأوا أعمالهم، ونظروا في كتابهم، وأدخلوا النار، ومقتوا أنفسهم بسوء صنيعهم ناداهم حين عاينوا عذاب الله مناد { لَمَقْتُ ٱللَّهِ } إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان، فتكفرون { أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُـمْ } اليوم. قال الأخفش هذه اللام في لمقت هي لام الابتداء أوقعت بعد ينادون لأن معناه يقال لهم، والنداء قول. قال الكلبي يقول كل إنسان لنفسه من أهل النار مقتك يا نفس، فتقول الملائكة لهم، وهم في النار لمقت الله إياكم في الدنيا أشدّ من مقتكم أنفسكم اليوم. وقال الحسن يعطون كتابهم، فإذا نظروا إلى سيئاتهم مقتوا أنفسهم، فينادون لمقت الله إياكم في الدنيا { إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى ٱلإِيمَـٰنِ } أكبر من مقتكم أنفسكم إذ عاينتم النار، والظرف في { إِذْ تَدْعُونَ } منصوب بمقدّر محذوف دلّ عليه المذكور، أي مقتكم وقت دعائكم. وقيل بمحذوف هو اذكروا. وقيل بالمقت المذكور، والمقت أشدّ البغض. ثم أخبر سبحانه عما يقولون في النار، فقال { قَالُواْ رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ } اثنتين في الموضعين نعتان لمصدر محذوف، أي أمتنا إماتتين اثنتين، وأحييتنا إحياءتين اثنتين، والمراد بالإماتتين أنهم كانوا نطفاً لا حياة لهم في أصلاب آبائهم، ثم أماتهم بعد أن صاروا أحياء في الدنيا، والمراد بالإحياءتين أنه أحياهم الحياة الأولى في الدنيا، ثم أحياهم عند البعث، ومثل هذه الآية قولهوَكُنتُمْ أَمْوٰتًا فَأَحْيَـٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ } البقرة 28. وقيل معنى الآية أنهم أميتوا في الدنيا عند انقضاء آجالهم، ثم أحياهم الله في قبورهم للسؤال، ثم أميتوا، ثم أحياهم الله في الآخرة، ووجه هذا القول أن الموت سلب الحياة، ولا حياة للنطفة. ووجه القول الأوّل أن الموت قد يطلق على عادم الحياة من الأصل، وقد ذهب إلى تفسير الأوّل جمهور السلف. وقال ابن زيد المراد بالآية أنه خلقهم في ظهر آدم، واستخرجهم، وأحياهم، وأخذ عليهم الميثاق، ثم أماتهم، ثم أحياهم في الدنيا، ثم أماتهم. ثم ذكر سبحانه اعترافهم بعد أن صاروا في النار بما كذبوا به في الدنيا، فقال حاكياً عنهم { فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } التي أسلفناها في الدنيا من تكذيب الرّسل، والإشراك بالله، وترك توحيده، فاعترفوا حيث لا ينفعهم الاعتراف، وندموا حيث لا ينفعهم الندم، وقد جعلوا اعترافهم هذا مقدّمة لقولهم { فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ } أي هل إلى خروج لنا من النار، ورجوع لنا إلى الدنيا من سبيل، ومثل هذا قولهم الذي حكاه الله عنهم

السابقالتالي
2 3 4 5 6