الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً } * { فَأُوْلَـٰئِكَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً } * { وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي ٱلأَرْضِ مُرَٰغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ ٱلْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلىَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

قوله { تَوَفَّـٰهُمُ } يحتمل أن يكون فعلاً ماضياً وحذفت منه علامة التأنيث لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي، ويحتمل أن يكون مستقبلاً، والأصل تتوفاهم، فحذفت إحدى التاءين. وحكى ابن فورك، عن الحسن أن المعنى تحشرهم إلى النار. وقيل تقبض أرواحهم، وهو الأظهر. والمراد بالملائكة ملائكة الموت لقوله تعالىقُلْ يَتَوَفَّـٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكّلَ بِكُمْ } السجدة 11. وقوله { ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ } حال، أي في حال ظلمهم أنفسهم، وقول الملائكة { فِيمَ كُنتُمْ } سؤال توبيخ، أي في أي شيء كنتم من أمور دينكم؟ وقيل المعنى أكنتم في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أم كنتم مشركين؟ وقيل إن معنى السؤال التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين. وقولهم { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلأرْضِ } يعني مكة، لأن سبب النزول من أسلم بها ولم يهاجر، كما سيأتي، ثم أوقفتهم الملائكة على دينهم، وألزمتهم الحجة، وقطعت معذرتهم، فقالوا { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا } قيل المراد بهذه الأرض المدينة، والأولى العموم اعتباراً بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما هو الحق، فيراد بالأرض كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها، ويراد بالأرض الأولى كل أرض ينبغي الهجرة منها. قوله { مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } هذه الجملة خبر لأولئك، والجملة خبر إن في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } ودخول الفاء لتضمن اسم إن معنى الشرط { وَسَاءتْ } أي جهنم { مَصِيراً } أي مكاناً يصيرون إليه. قوله { إِلاَّ ٱلْمُسْتَضْعَفِينَ } هو استثناء من الضمير في مأواهم، وقيل استثناء منقطع لعدم دخول المستضعفين في الموصول وضميره. وقوله { مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } متعلق بمحذوف، أي كائنين منهم، والمراد بالمستضعفين من الرجال الزمني ونحوهم، والولدان كعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، وإنما ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم لقصد المبالغة في أمر الهجرة، وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف، فكيف من كان مكلفاً، وقيل أراد بالولدان المراهقين والمماليك. قوله { لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } صفة للمستضعفين، أو للرجال والنساء، والولدان، أوحال من الضمير في المستضعفين. وقيل الحيلة لفظ عام لأنواع أسباب التخلص، أي لا يجدون حيلة، ولا طريقاً إلى ذلك، وقيل السبيل سبيل المدينة { فَأُوْلَـئِكَ } إشارة إلى المستضعفين الموصوفين بما ذكر { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ } وجيء بكلمة الإطماع لتأكيد أمر الهجرة، حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنباً يجب طلب العفو عنه. قوله { وَمَن يُهَاجِرْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِى ٱلأرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً } هذه الجملة متضمنة للترغيب في الهجرة، والتنشيط إليها. وقوله { فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } فيه دليل على أن الهجرة لا بدّ أن تكون بقصد صحيح، ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا، ومنه الحديث الصحيح

السابقالتالي
2 3 4