الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يَسْتَوِي ٱلْقَٰعِدُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي ٱلضَّرَرِ وَٱلْمُجَٰهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ بِأَمْوَٰلِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْحُسْنَىٰ وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً } * { دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

التفاوت بين درجات من قعد عن الجهاد من غير عذر، ودرجات من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه، وإن كان معلوماً، لكن أراد سبحانه بهذا الإخبار تنشيط المجاهدين ليرغبوا، وتبكيت القاعدين ليأنفوا. قوله { غَيْرُ أُوْلِى ٱلضَّرَرِ } قرأ أهل الكوفة، وأبو عمرو بالرفع على أنه وصف للقاعدين، كما قال الأخفش لأنهم لا يقصد بهم قوم بأعيانهم، فصاروا كالنكرة، فجاز وصفهم بغير. وقرأ أبو حيوة بكسر الراء على أنه وصف للمؤمنين. وقرأ أهل الحرمين بفتح الراء على الاستثناء من القاعدين أو من المؤمنين، أي إلا أولى الضرر، فإنهم يستوون مع المجاهدين. ويجوز أن يكون منتصباً على الحال من القاعدين، أي لا يستوي القاعدون الأصحاء في حال صحتهم، وجازت الحال منهم لأن لفظهم لفظ المعرفة. قال العلماء أهل الضرر هم أهل الأعذار لأنها أضرّت بهم حتى منعتهم عن الجهاد، وظاهر النظم القرآني أن صاحب العذر يعطى مثل أجر المجاهد، وقيل يعطى أجره من غير تضعيف، فيفضله المجاهد بالتضعيف لأجل المباشرة. قال القرطبي والأوّل أصحّ إن شاء الله للحديث الصحيح في ذلك " إن بالمدينة رجالاً ما قطعتم، وادياً، ولا سرتم مسيراً إلا كانوا معكم أولئك قوم حبسهم العذر " قال وفي هذا المعنى ما ورد في الخبر " إذا مرض العبد قال الله تعالى اكتبوا لعبدي ما كان يعمله في الصحة إلى أن يبرأ، أو أقبضه إليّ " قوله { فَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَـٰهِدِينَ بِأَمْوٰلِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى ٱلْقَـٰعِدِينَ دَرَجَةً } هذا بيان لما بين الفريقين من التفاضل المفهوم من ذكر عدم الاستواء إجمالاً، والمراد هنا غير أولى الضرر حملاً للمطلق على المقيد، وقال هنا { دَرَجَةً } ، وقال فيما بعد { دَرَجَـٰتٌ } فقال قوم التفضيل بالدرجة ثم بالدرجات، إنما هو مبالغة وبيان تأكيد. وقال آخرون فضل الله المجاهدين على القاعدين من أولى الضرر بدرجة واحدة، وفضل الله المجاهدين على القاعدين من غير أولى الضرر بدرجات، قاله ابن جريج، والسدّي، وغيرهما. وقيل إن معنى درجة علوّاً، أي أعلى ذكرهم، ورفعهم بالثناء والمدح، ودرجة منتصبة على التمييز، أو المصدرية لوقوعها موقع المرة من التفضيل، أي فضل الله تفضيلة، أو على نزع الخافض، أو على الحالية من المجاهدين أي ذوي درجة. قوله { وَكُلاًّ } مفعول لقوله { وَعَدَ ٱللَّهُ } قدّم عليه لإفادته القصر، أي كل واحد من المجاهدين والقاعدين، وعده الله الحسنى، أي المثوبة، وهي الجنة. قوله { أَجْراً } هو منتصب على التمييز. وقيل على المصدرية، لأن فضل بمعنى آجر، فالتقدير آجرهم أجراً. وقيل مفعول ثان لفضل لتضمنه معنى الإعطاء. وقيل منصوب بنزع الخافض. وقيل على الحال من درجات مقدّم عليها، وأما انتصاب درجات ومغفرة ورحمة فهي بدل من أجراً.

السابقالتالي
2