الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَىۤ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَعِنْدَ ٱللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذٰلِكَ كُنْتُمْ مِّن قَبْلُ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }

هذا متصل بذكر الجهاد والقتال والضرب السير في الأرض، تقول العرب ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيرهما، وتقول ضربت الأرض بدون " في " إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم " لا يخرج رجلان يضربان الغائط " قوله { فَتَبَيَّنُواْ } من التبين وهو التأمل، وهي قراءة الجماعة إلا حمزة، فإنه قرأ «فتثبتوا» من التثبت. واختار القراءة الأولى أبو عبيدة، وأبو حاتم قالا لأن من أمر بالتبين فقد أمر بالثبت، وإنما خصّ السفر بالأمر بالتبين، مع أن التبين والتثبت في أمر القتل واجبان حضراً، وسفراً بلا خلاف لأن الحادثة التي هي سبب نزول الآية كانت في السفر، كما سيأتي. قوله { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ } وقرىء " السلام " ، ومعناهما واحد. واختار أبو عبيدة السلام. وخالفه أهل النظر، فقالوا السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسليم. والمراد هنا لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم لست مؤمناً، فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام، وقيل هما بمعنى الإسلام، أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم الإسلام، أي كلمته، وهي الشهادة لست مؤمناً. وقيل هما بمعنى التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام، أي لا تقولوا لمن ألقى إليكم التسليم، فقال السلام عليكم لست مؤمناً. والمراد نهى المسلمين عن أن يهملوا ما جاء به الكافر مما يستدل به على إسلامه، ويقولوا إنه إنما جاء بذلك تعوذاً، وتقية. وقرأ أبو جعفر { لَسْتَ مُؤْمِناً } من أمنته إذا أجرته فهو مؤمن. وقد استدلّ بهذه الآية على أن من قتل كافراً بعد أن قال لا إله إلا الله قتل به لأنه قد عصم بهذه الكلمة دمه وماله وأهله، وإنما سقط القتل عمن وقع منه ذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم تأوّلوا وظنوا أن من قالها خوفاً من السلاح لا يكون مسلماً ولا يصير بها دمه معصوماً، وأنه لا بد من أن يقول هذه الكلمة، وهو مطمئن غير خائف، وفي حكم التكلم بكلمة الإسلام إظهار الانقياد بأن يقول أنا مسلم، أو أنا على دينكم، لما عرفت من أن معنى الآية الاستسلام والانقياد، وهو يحصل بكل ما يشعر بالإسلام من قول أو فعل، ومن جملة ذلك كلمة الشهادة وكلمة التسليم، فالقولان الآخران في معنى الآية داخلان تحت القول الأوّل. قوله { تَبْتَغُونَ عَرَضَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا } الجملة في محل نصب على الحال، أي لا تقولوا تلك المقالة طالبين الغنيمة، على أن يكون النهي راجعاً إلى القيد والمقيد لا إلى القيد فقط، وسمي متاع الدنيا عرضاً لأنه عارض زائل غير ثابت.

السابقالتالي
2 3