الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَٰلِداً فِيهَا وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً }

قوله { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ } هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم كقولهوَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ } الأحزاب 53 ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبراً، وهو يستلزم صدقه، فلا يوجد مؤمن قتل مؤمناً قط وقيل المعنى ما كان له ذلك في عهد الله، وقيل ما كان له ذلك فيما سلف، كما ليس له الآن ذلك بوجه، ثم استثنى منه استثناء منقطعاً فقال إلا خطأ، أي ما كان له أن يقتله البتة، لكن إن قتله خطأ فعليه كذا، هذا قول سيبويه، والزجاج، وقيل هو استثناء متصل والمعنى وما ثبت، ولا وجد، ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطأ إذ هو مغلوب حينئذ، وقيل المعنى ولا خطأ. قال النحاس ولا يعرف ذلك في كلام العرب، ولا يصح في المعنى لأن الخطأ لا يحظر وقيل إن المعنى ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطأ وحده، فيكون قوله خطأ منتصباً بأنه مفعول له، ويجوز أن ينتصب على الحال، والتقدير لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطأ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف، أي إلا قتلاً خطأ، ووجوه الخطأ كثيرة، ويضبطها عدم القصد، والخطأ الاسم من أخطأ خطأ إذا لم يتعمد. قوله { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ، وعبر بالرقبة عن جميع الذات. واختلف العلماء في تفسير الرقبة المؤمنة، فقيل هي التي صلت، وعقلت الإيمان فلا تجزىء الصغيرة، وبه قال ابن عباس، والحسن، والشعبي، والنخعي، وقتادة، وغيرهم. وقال عطاء بن أبي رباح إنها تجزىء الصغيرة المولودة بين مسلمين. وقال جماعة منهم مالك، والشافعي يجزيء كل من حكم له بوجوب الصلاة عليه إن مات، ولا يجزيء في قول جمهور العلماء أعمى، ولا مقعد، ولا أشلّ، ويجزيء عند الأكثر الأعرج، والأعور. قال مالك إلا أن يكون عرجاً شديداً. ولا يجزيء عند أكثرهم المجنون، وفي المقام تفاصيل طويلة مذكورة في علم الفروع. قوله { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ } الدية ما تعطى عوضاً عن دم المقتول إلى ورثته، والمسلمة المدفوعة المؤداة، والأهل المراد بهم الورثة، وأجناس الدية، وتفاصيلها قد بينتها السنة المطهرة. قوله { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي إلا أن يتصدّق أهل المقتول على القاتل بالدية، سمي العفو عنها صدقة ترغيباً فيه. وقرأ أبيّ إلا يتصدقوا، وهذه الجملة المستثناة متعلقة بقوله { فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ } أي فعليه دية مسلمة إلا أن يقع العفو من الورثة عنها. قوله { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ } أي فإن كان المقتول من قوم عدوّ لكم، وهم الكفار الحربيون، وهذه مسئلة المؤمن الذي يقتله المسلمون في بلاد الكفار الذين كان منهم، ثم أسلم، ولم يهاجر، وهم يظنون أنه لم يسلم، وأنه باق على دين قومه، فلا دية على قاتله بل عليه تحرير رقبة مؤمنة.

السابقالتالي
2 3 4 5