الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَا لَكُمْ فِي ٱلْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوۤاْ أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } * { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَٰقٌ أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَن يُقَٰتِلُوكُمْ أَوْ يُقَٰتِلُواْ قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ فَإِنِ ٱعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَٰتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً } * { سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَن يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُواْ قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوۤاْ إِلَى ٱلْفِتْنِةِ أُرْكِسُواْ فِيِهَا فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوۤاْ إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَمَ وَيَكُفُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَـٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً }

الاستفهام في قوله { مَالَكُمْ } للإنكار، واسم الاستفهام مبتدأ، وما بعده خبره. والمعنى أي شيء كائن لكم { فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ } أي في أمرهم وشأنهم حال كونكم { فِئَتَيْنِ } في ذلك. وحاصله الإنكار على المخاطبين أن يكون لهم شيء يوجب اختلافهم في شأن المنافقين. وقد اختلف النحويون في انتصاب فئتين، فقال الأخفش، والبصريون على الحال، كقولك مالك قائماً. وقال الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان، وهي مضمرة، والتقدير فما لكم في المنافقين كنتم فئتين. وسبب نزول الآية ما سيأتي وبه يتضح المعنى. وقوله { وَٱللَّهُ أَرْكَسَهُمْ } معناه ردّهم إلى الكفر { بِمَا كَسَبُواْ } وحكى الفراء، والنضر بن شميل، والكسائي أركسهم وركسهم، أي ردّهم إلى الكفر، ونكسهم، فالركس والنكس قلب الشيء على رأسه، أو ردّ أوله إلى آخره، والمنكوس المركوس، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأبيّ " وَٱللَّهُ ركسهم } ومنه قول عبد الله بن رواحة
اركسوا في فئة مظلمة كسواد الليل يتلوها فتن   
والباء في قوله { بِمَا } سببية، أي أركسهم بسبب كسبهم، وهو لحوقهم بدار الكفر. والاستفهام في قوله { أَتُرِيدُونَ أَن تَهْدُواْ مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ } للتقريع والتوبيخ، وفيه دليل على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشرإِنَّكَ لاَ تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآء } القصص 56 قوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً } أي طريقاً إلى الهداية. قوله { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين، وإيضاح أنهم يودّون أن يكفر المؤمنون كما كفروا، ويتمنوا ذلك عناداً وغلوّاً في الكفر وتمادياً في الضلال، فالكاف في قوله { كَمَا } نعت مصدر محذوف، أي كفراً مثل كفرهم، أو حال، كما روي عن سيبويه. قوله { فَتَكُونُونَ سَوَاء } عطف على قوله { تَكْفُرُونِ } داخل في حكمه، أي ودّوا كفركم ككفرهم، وودّوا مساواتكم لهم. قوله { فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء } جواب شرط محذوف، أي إذا كان حالهم ما ذكر فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا، ويحققوا إيمانهم بالهجرة { فَإِن تَوَلَّوْاْ } عن ذلك { فَخُذُوهُمْ } إذا قدرتم عليهم { وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } في الحلّ والحرم { وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيّاً } توالونه { وَلاَ نَصِيراً } تستنصرون به. قوله { إِلاَّ ٱلَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مّيثَـٰقٌ } هو مستثنى من قوله { فَخُذُوهُمْ وَٱقْتُلُوهُمْ } أي إلا الذين يتصلون، ويدخلون في قوم بينكم وبينهم ميثاق بالجوار والحلف، فلا تقتلوهم لما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد وميثاق، فإن العهد يشملهم. هذا أصح ما قيل في معنى الآية. وقيل الاتصال هنا هو اتصال النسب.

السابقالتالي
2 3