الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } * { مَّن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَٰعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً } * { وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً } * { ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ ٱللَّهِ حَدِيثاً }

الفاء في قوله { فَقَاتِلْ } قيل هي متعلقة بقولهوَمَن يُقَـٰتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } النساء 74 الخ، أي من أجل هذا فقاتل، وقيل متعلقة بقولهوَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } النساء 75 فقاتل وقيل هي جواب شرط محذوف يدل عليه السياق تقديره إذا كان الأمر ما ذكر من عدم طاعة المنافقين فقاتل، أو إذا أفردوك وتركوك فقاتل. قال الزجاج أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالجهاد، وإن قاتل وحده لأنه قد ضمن له النصر. قال ابن عطية هذا ظاهر اللفظ، إلا أنه لم يجيء في خبر قط أن القتال فرض عليه دون الأمة. فالمعنى والله أعلم أنه خطاب له في اللفظ، وفي المعنى له ولأمته، أي أنت يا محمد وكل واحد من أمتك يقال له { فَقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ } أي لا تكلف إلا نفسك، ولا تلزم فعل غيرك، وهو استئناف مقرّر لما قبله لأن اختصاص تكليفه بفعل نفسه من موجبات مباشرته للقتال وحده. وقريء { لاَ تُكَلَّفُ } بالجزم على النهي، وقريء بالنون. قوله { وَحَرّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي حضهم على القتال، والجهاد، يقال حرّضت فلاناً على كذا إذا أمرته به، وحارض فلان على الأمر وأكبّ عليه وواظب عليه بمعنى واحد. قوله { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فيه إطماع للمؤمنين بكفّ بأس الذين كفروا عنهم، والاطماع من الله عز وجلّ واجب، فهو وعد منه سبحانه، ووعده كائن لا محالة { وَٱللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً } أي أشدّ صول وأعظم سلطاناً { وَأَشَدُّ تَنكِيلاً } أي عقوبة، يقال نكلت بالرجل تنكيلاً من النكال وهو العذاب. والمنكل الشيء الذي ينكل بالإنسان. { مَّن يَشْفَعْ شَفَـٰعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَّهُ نَصِيبٌ مّنْهَا } أصل الشفاعة والشفعة ونحوهما من الشفع وهو الزوج، ومنه الشفيع لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعاً، ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة، وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها. والشفع ضمّ واحد إلى واحد، والشفعة ضم ملك الشريك إلى ملكك، فالشفاعة ضمّ غيرك إلى جاهك ووسيلتك، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع، واتصال منفعة إلى المشفوع له. والشفاعة الحسنة هي في البرّ والطاعة. والشفاعة السيئة في المعاصي، فمن شفع في الخير لينفع فله نصيب منها، أي من أجرها، ومن شفع في الشر، كمن يسعى بالنميمة والغيبة كان له كفل منها، أي نصيب من وزرها. والكفل الوزر والإثم، واشتقاقه من الكساء الذي يجعله الراكب على سنام البعير لئلا يسقط، يقال اكتفلت البعير إذا أدرت على سنامه كساء وركبت عليه لأنه لم يستعمل الظهر كله بل استعمل نصيباً منه، ويستعمل في النصيب من الخير والشرّ.

السابقالتالي
2 3 4