الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً } * { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً }

لما ذكر سبحانه حكم أموال اليتامى، وصله بأحكام المواريث، وكيفية قسمتها بين الورثة. وأفرد سبحانه ذكر النساء بعد ذكر الرجال، ولم يقل للرجال والنساء نصيب، للإيذان بأصالتهنّ في هذا الحكم، ودفع ما كانت عليه الجاهلية من عدم توريث النساء، وفي ذكر القرابة بيان لعلة الميراث مع التعميم لما يصدق عليه مسمى القرابة من دون تخصيص. وقوله { مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ } بدل من قوله { مّمَّا تَرَكَ } بإعادة الجار، والضمير في قوله { مِنْهُ } راجع إلى المبدل منه. وقوله { نَصِيباً } منتصب على الحال، أو على المصدرية، أو على الاختصاص، وسيأتي ذكر السبب في نزول هذه الآية إن شاء الله، وقد أجمل الله سبحانه في هذه المواضع قدر النصيب المفروض، ثم أنزل قولهيُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 فبين ميراث كل فرد. قوله { وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ } المراد بالقرابة هنا غير الوارثين، وكذا اليتامى، والمساكين، شرع الله سبحانه أنهم إذا حضروا قسمة التركة كان لهم منها رزق، فيرضخ لهم المتقاسمون شيئاً منها. وقد ذهب قوم إلى أن الآية محكمة، وأن الأمر للندب. وذهب آخرون إلى أنها منسوخة بقوله تعالىيُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11 والأوّل أرجح، لأن المذكور في الآية للقرابة غير الوارثين ليس هو من جملة الميراث حتى يقال إنها منسوخة بآية المواريث، إلا أن يقولوا إن أولى القربى المذكورين هنا هم الوارثون كان للنسخ وجه. وقالت طائفة إن هذا الرضخ لغير الوارث من القرابة واجب بمقدار ما تطيب به أنفس الورثة، وهو معنى الأمر الحقيقي، فلا يصار إلى الندب إلا لقرينة، والضمير في قوله { مِنْهُ } راجع إلى المال المقسوم المدلول عليه بالقسمة، وقيل راجع إلى ما ترك. والقول المعروف هو القول الجميل الذي ليس فيه منّ بما صار إليهم من الرضخ ولا أذى. قوله { وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ } هم الأوصياء، كما ذهب إليه طائفة من المفسرين، وفيه وعظ لهم بأن يفعلوا باليتامى الذين في حجورهم ما يحبون أن يفعل بأولادهم من بعدهم. وقالت طائفة المراد جميع الناس أمروا باتقاء الله في الأيتام، وأولاد الناس، وإن لم يكونوا في حجورهم وقال آخرون إن المراد بهم من يحضر الميت عند موته، أمروا بتقوى الله، بأن يقولوا للمحتضر قولاً سديداً من إرشادهم إلى التخلص عن حقوق الله، وحقوق بني آدم، وإلى الوصية بالقرب المقرّبة إلى الله سبحانه، وإلى ترك التبذير بماله، وإحرام ورثته، كما يخشون على ورثتهم من بعدهم لو تركوهم، فقراء عالة يتكففون الناس وقال ابن عطية الناس صنفان يصلح لأحدهما أن يقال له عند موته ما لا يصلح للآخر، وذلك أن الرجل إذا ترك ورثته مستقلين بأنفسهم أغنياء حسن أن يندب إلى الوصية، ويحمل على أن يقدّم لنفسه، وإذا ترك ورثة ضعفاء مفلسين حسن أن يندب إلى الترك لهم والاحتياط، فإن أجره في قصد ذلك كأجره في المساكين.

السابقالتالي
2 3