الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً } * { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَإِلَى ٱلرَّسُولِ رَأَيْتَ ٱلْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً } * { فَكَيْفَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآءُوكَ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنْ أَرَدْنَآ إِلاَّ إِحْسَٰناً وَتَوْفِيقاً } * { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }

قوله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ } فيه تعجيب لرسول الله من حال هؤلاء الذين ادعوا لأنفسهم أنهم قد جمعوا بين الإيمان بما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القرآن، وما أنزل على من قبله من الأنبياء، فجاءوا بما ينقض عليهم هذه الدعوى ويبطلها من أصلها، ويوضح أنهم ليسوا على شيء من ذلك أصلاً، وهو إرادتهم التحاكم إلى الطاغوت، وقد أمروا فيما أنزل على رسول الله، وعلى من قبله أن يكفروا به، وسيأتي بيان سبب نزول الآية، وبه يتضح معناها. وقد تقدّم تفسير الطاغوت، والاختلاف في معناه. قوله { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ } معطوف على قوله { يُرِيدُونَ } والجملتان مسوقتان لبيان محل التعجب، كأنه قيل ماذا يفعلون؟ فقيل يريدون كذا، ويريد الشيطان كذا. وقوله { ضَلاَلاً } مصدر للفعل المذكور بحذف الزوائد كقولهوَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مّنَ ٱلأرْضِ نَبَاتاً } نوح 17 أو مصدر لفعل محذوف دلّ عليه الفعل المذكور، والتقدير ويريد الشيطان أن يضلهم فيضلون ضلالاً. والصدود اسم للمصدر، وهو الصدّ عند الخليل، وعند الكوفيين أنهما مصدران، أي يعرضون عنك إعراضاً. قوله { فَكَيْفَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } بيان لعاقبة أمرهم، وما صار إليهم حالهم، أي كيف يكون حالهم { إِذَا أَصَـٰبَتْهُمْ مُّصِيبَةٌ } أي وقت إصابتهم، فإنهم يعجزون عند ذلك، ولا يقدرون على الدفع. والمراد { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } ما فعلوه من المعاصي التي من جملتها التحاكم إلى الطاغوت { ثُمَّ جَاءوكَ } يعتذرون عن فعلهم، وهو عطف على { أَصَـٰبَتْهُمْ } وقوله { يَحْلِفُونَ } حال، أي جاءوك حال كونهم حالفين { إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً } أي ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إلا الإحسان لا الإساءة، والتوفيق بين الخصمين لا المخالفة لك. وقال ابن كيسان معناه ما أردنا إلا عدلاً، وحقاً مثل قولهوَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ ٱلْحُسْنَىٰ } التوبة 107 فكذبهم الله بقوله { أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَعْلَمُ ٱللَّهُ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من النفاق والعداوة للحق. قال الزجاج معناه قد علم الله أنهم منافقون { فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ } أي عن عقابهم. وقيل عن قبول اعتذارهم { وَعِظْهُمْ } أي خوّفهم من النفاق { وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ } أي في حق أنفسهم. وقيل معناه قل لهم خالياً بهم ليس معهم غيرهم { قَوْلاً بَلِيغاً } أي بالغاً في وعظهم إلى المقصود مؤثراً فيهم، وذلك بأن توعدهم بسفك دمائهم، وسبي نسائهم، وسلب أموالهم { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ } «من» زائدة للتوكيد { إلاَّ لِيُطَاعَ } فيما أمر به ونهى عنه { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } بعلمه. وقيل بتوفيقه { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } بترك طاعتك، والتحاكم إلى غيرك { جَاءوكَ } متوسلين إليك متنصلين عن جناياتهم، ومخالفتهم { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } لذنوبهم، وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعاً لهم، فاستغفرت لهم، وإنما قال { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } على طريقة الالتفات لقصد التفخيم لشأن الرسول صلى الله عليه وسلم { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي كثير التوبة عليهم والرحمة لهم.

السابقالتالي
2 3 4