الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمْوَالَكُمُ ٱلَّتِي جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قِيَٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } * { وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً }

هذا رجوع إلى بقية الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى. وقد تقدّم الأمر بدفع أموالهم إليهم في قوله تعالىوَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ } النساء 2 فبين سبحانه هاهنا أن السفيه، وغير البالغ لا يجوز دفع ماله إليه. وقد تقدّم في البقرة معنى السفيه لغة. واختلف أهل العلم في هؤلاء السفهاء من هم؟ فقال سعيد بن جبير هم اليتامى لا تؤتوهم أموالكم. قال النحاس، وهذا من أحسن ما قيل في الآية. وقال مالك هم الأولاد الصغار لا تعطوهم أموالكم، فيفسدوها، وتبقوا بلا شيء. وقال مجاهد هم النساء. قال النحاس، وغيره وهذا القول لا يصح إنما تقول العرب سفائه أو سفيهات. واختلفوا في وجه إضافة الأموال إلى المخاطبين، وهي للسفهاء، فقيل أضافها إليهم لأنها بأيديهم، وهم الناظرون فيها، كقولهفَسَلّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } النور 61، وقولهفَٱقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } البقرة 54 أي ليسلم بعضكم على بعض، وليقتل بعضكم بعضاً، وقيل أضافها إليهم لأنها من جنس أموالهم، فإن الأموال جعلت مشتركة بين الخلق في الأصل. وقيل المراد أموال المخاطبين حقيقة. وبه قال أبو موسى الأشعري، وابن عباس، والحسن، وقتادة. والمراد النهي عن دفعها إلى من لا يحسن تدبيرها كالنساء، والصبيان، ومن هو ضعيف الإدراك لا يهتدي إلى وجوه النفع التي تصلح المال، ولا يتجنب، وجوه الضرر التي تهلكه، وتذهب به. قوله { ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ قياما } المفعول الأوّل محذوف، والتقدير التي جعلها الله لكم، و«قيما» قراءة أهل المدينة، وأبي عامر، وقرأ غيرهم «قياماً» وقرأ عبد الله بن عمر «قواما» والقيام والقوام ما يقيمك، يقال فلان قيام أهله، وقوام بيته، وهو الذي يقيم شأنه، أي يصلحه، ولما انكسرت القاف في قوام أبدلوا الواو ياء. قال الكسائي والفراء قيماً وقواماً بمعنى قياماً، وهو منصوب على المصدر أي لا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم، فتقومون بها قياماً، وقال الأخفش المعنى قائمة بأموركم، فذهب إلى أنها جمع. وقال البصريون قيماً جمع قيمة كديمة وديم، أي جعلها الله قيمة للأشياء. وخطأ أبو علي الفارسي هذا القول، وقال هي مصدر، كقيام وقوام. والمعنى أنها صلاح للحال، وثبات له، فأما على قول من قال إن المراد أموالهم على ما يقتضيه ظاهر الإضافة، فالمعنى واضح. وأما على قول من قال إنها أموال اليتامى، فالمعنى أنها من جنس ما تقوم به معايشكم، ويصلح به حالكم من الأموال. وقرأ الحسن، والنخعي «اللاتي جعل» قال الفراء الأكثر في كلام العرب النساء اللواتي، والأموال التي، وكذلك غير الأموال، ذكره النحاس. قوله { وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ } أي اجعلوا لهم فيها رزقاً، أو افرضوا لهم، وهذا فيمن تلزم نفقته، وكسوته من الزوجات، والأولاد، ونحوهم. وأما على قول من قال إن الأموال هي أموال اليتامى، فالمعنى اتجروا فيها حتى تربحوا، وتنفقوهم من الأرباح، أو اجعلوا لهم من أموالهم رزقاً ينفقونه على أنفسهم، ويكتسون به.

السابقالتالي
2 3 4 5