الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }

قد تقدّم بيان معنى العبادة. و { شيئاً } إما مفعول به، أي لا تشركوا به شيئاً من الأشياء من غير فرق بين حيّ وميت، وجماد وحيوان، وإما مصدر، أي لا تشركوا به شيئاً من الاشراك من غير فرق بين الشرك الأكبر والأصغر والواضح والخفي. وقوله { إِحْسَـٰناً } مصدر لفعل محذوف، أي أحسنوا بالوالدين إحساناً. وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع، وقد دل ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد الأمر بعبادة الله، والنهي عن الإشراك به على عظم حقهما، ومثلهأَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوٰلِدَيْكَ } لقمان 14 فأمر سبحانه بأن يشكرا معه. قوله { وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي صاحب القرابة، وهو من يصح إطلاق اسم القربى عليه، وإن كان بعيداً. { وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ } قد تقدّم تفسيرهم والمعنى وأحسنوا بذي القربى إلى آخر ما هو مذكور في هذه الآية { وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ } أي القريب جواره، وقيل هو من له مع الجوار في الدار قرب في النسب { وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ } المجانب، وهو مقابل للجار ذي القربى، والمراد من يصدق عليه مسمى الجوارمع كون داره بعيدة، وفي ذلك دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم سواء كانت الديار متقاربة أو متباعدة، وعلى أن الجوار حرمة مرعية مأمور بها. وفيه ردّ على من يظن أن الجار مختص بالملاصق دون من بينه وبينه حائل، أو مختص بالقريب دون البعيد. وقيل إن المراد بالجار الجنب هنا هو الغريب. وقيل هو الأجنبي الذي لا قرابة بينه وبين المجاور له. وقرأ الأعمش، والمفضل " وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ " بفتح الجيم، وسكون النون، أي ذي الجنب، وهو الناحية، وأنشد الأخفش
الناس جنب، والأمير جنب   
وقيل المراد بالجار ذي القربى المسلم، وبالجار الجنب اليهودي النصراني.وقد اختلف أهل العلم في المقدار الذي يصدق عليه مسمى الجوار، ويثبت لصاحبه الحق. فروي عن الأوزاعي والحسن أنه إلى حدّ أربعين داراً من كل ناحية، وروي عن الزهري نحوه. وقيل من سمع إقامة الصلاة. وقيل إذا جمعتهما محلة. وقيل من سمع النداء. والأولى أن يرجع في معنى الجار إلى الشرع، فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه، وأنه يكون جاراً إلى حد كذا من الدور، أو من مسافة الأرض، كان العمل عليه متعيناً، وإن لم يوجد رجع إلى معناه لغة أو عرفاً. ولم يأت في الشرع ما يفيد أن الجار هو الذي بينه وبين جاره مقدار كذا، ولا ورد في لغة العرب أيضاً ما يفيد ذلك، بل المراد بالجار في اللغة المجاور، ويطلق على معان. قال في القاموس. والجار المجاور، والذي أجرته من أن يظلم، والمجير، والمستجير، والشريك في التجارة، وزوج المرأة وهي جارته، وفرج المرأة، وما قرب من المنازل، والإست كالجارة، والقاسم، والحليف، والناصر.

السابقالتالي
2 3