الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَآءً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } * { وَآتُواْ ٱلْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً } * { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلاَّ تَعُولُواْ } * { وَءَاتُواْ ٱلنِّسَآءَ صَدُقَٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً }

المراد بالناس الموجودون عند الخطاب من بني آدم، ويدخل من سيوجد بدليل خارجي، وهو الإجماع على أنهم مكلفون بما كلف به الموجودون، أو تغليب الموجودين على من لم يوجد، كما غلب الذكور على الإناث في قوله { ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ } لاختصاص ذلك بجمع المذكر. والمراد بالنفس الواحدة هنا آدم. وقرأ ابن أبي عبلة، " واحد " بغير هاء على مراعاة المعنى، فالتأنيث باعتبار اللفظ، والتذكير باعتبار المعنى. قوله { وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } قيل هو معطوف على مقدر يدل عليه الكلام، أي خلقكم من نفس واحدة خلقها أولاً، وخلق منها زوجها، وقيل على خلقكم، فيكون الفعل الثاني داخلاً مع الأوّل في حيز الصلة. والمعنى وخلق من تلك النفس التي هي عبارة عن آدم زوجها، وهي حواء. وقد تقدم في البقرة معنى التقوى، والربّ، والزوج، والبث، والضمير في قوله { مِنْهَا } راجع إلى آدم وحواء المعبر عنهما بالنفس، والزوج. وقوله { كَثِيراً } وصف مؤكد لما تفيده صيغة الجمع لكونها من جموع الكثرة وقيل هو نعت لمصدر محذوف، أي بثاً كثيراً. وقوله { وَنِسَاء } أي كثيرة، وترك التصريح به استغناء بالوصف الأوّل. قوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأرْحَامَ } قرأ أهل الكوفة بحذف التاء الثانية، وأصله تتساءلون تخفيفاً لاجتماع المثلين. وقرأ أهل المدينة، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بإدغام التاء في السين والمعنى يسأل بعضكم بعضاً بالله والرحم، فإنهم كانوا يقرنون بينهما في السؤال، والمناشدة، فيقولون أسألك بالله والرحم، وأنشدك الله والرحم، وقرأ النخعي، وقتادة، والأعمش، وحمزة { وَٱلأرْحَامِ } بالجر. وقرأ الباقون بالنصب. وقد اختلف أئمة النحو في توجيه قراءة الجر، فأما البصريون، فقالوا هي لحن لا تجوز القراءة بها. وأما الكوفيون، فقالوا هي قراءة قبيحة. قال سيبويه في توجيه هذا القبح إن المضمر المجرور بمنزلة التنوين، والتنوين لا يعطف عليه. وقال الزجاج، وجماعة بقبح عطف الاسم الظاهر على المضمر في الخفض إلا بإعادة الخافض كقوله تعالىفَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأرْضَ } القصص 81 وجوز سيبويه ذلك في ضرورة الشعر، وأنشد
فاليوم قرّبت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب   
ومثله قول الآخر
تعلق في مثل السوارى سيوفنا وما بينها والكعب وهوىً نفانف   
بعطف الكعب على الضمير في بينها. وحكى أبو علي الفارسي أن المبرد قال لو صليت خلف إمام يقرأ " وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأرْحَامَ " بالجر، لأخذت نعلي، ومضيت. وقد ردّ الإمام أبو نصر القشيري ما قاله القادحون في قراء الجرّ، فقال ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين، لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم تواتراً، ولا يخفى عليك أن دعوى التواتر باطلة، يعرف ذلك من يعرف الأسانيد التي رووها بها، ولكن ينبغي أن يحتج للجواز بورود ذلك في أشعار العرب، كما تقدم، وكما في قول بعضهم

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10