الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلَٰلاً بَعِيداً } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً } * { إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

قوله { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ } الاسم الشريف مبتدأ، والفعل خبره، ومع تشديد النون هو منصوب على أنه اسم لكنّ، والاستدراك من محذوف مقدّر كأنهم قالوا ما نشهد لك يا محمد بهذا، أي الوحي والنبوّة، فنزل { لَّـٰكِنِ ٱللَّهُ يَشْهَدُ }. وقوله { وَٱلْمَلَـئِكَةُ يَشْهَدُونَ } جملة معطوفة على الجملة الأولى، أو جملة حالية، وكذلك قوله { أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ } جملة حالية، أي متلبساً بعلمه الذي لا يعلمه غيره، من كونك أهلاً لما اصطفاك الله له من النبوّة، وأنزله عليك من القرآن { وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } أي كفى الله شاهداً، والباء زائدة، وشهادة الله سبحانه هي ما يصنعه من المعجزات الدالة على صحة النبوة، فإن وجود هذه المعجزات شهادة للنبيّ صلى الله عليه وسلم بصدق ما أخبر به من هذا، وغيره. { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بكل ما يجب الإيمان به، أو بهذا الأمر الخاص، وهو ما في هذا المقام { وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وهو دين الإسلام بإنكارهم نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقولهم ما نجد صفته في كتابنا، وإنما النبوّة في ولد هٰرون وداود، وبقولهم إن شرع موسى لا ينسخ { قَدْ ضَلُّواْ ضَلَـٰلاَ بَعِيداً } عن الحقّ بما فعلوا، لأنهم مع كفرهم منعوا غيرهم عن الحق { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بجحدهم { وَظَلَمُواْ } غيرهم بصدهم عن السبيل، أو ظلموا محمداً بكتمانهم نبوّته، أو ظلموا أنفسهم بكفرهم، ويجوز الحمل على جميع هذه المعاني { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } إذا استمروا على كفرهم، وماتوا كافرين { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } لكونهم اقترفوا ما يوجب لهم ذلك بسوء اختيارهم، وفرط شقائهم، وجحدوا الواضح، وعاندوا البين { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } أي يدخلهم جهنم خالدين فيها، وهي حال مقدّرة. وقوله { أَبَدًا } منصوب على الظرفية، وهو لدفع احتمال. أن الخلود هنا يراد به المكث الطويل { وَكَانَ ذٰلِكَ } أي تخليدهم في جهنم، أو ترك المغفرة لهم، والهداية مع الخلود في جهنم { عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } لأنه سبحانه لا يصعب عليه شيءإِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يس 82 { فآمنوا خيراً لكم } اختلف أئمة النحو في انتصاب { خيراً } على ماذا؟ فقال سيبويه، والخليل بفعل مقدر، أي واقصدوا، أو أتو خيراً لكم، وقال الفراء هو نعت لمصدر محذوف، أي فآمنوا إيماناً خيراً لكم، وذهب أبو عبيدة، والكسائي إلى أنه خبر لكان مقدّرة، أي فآمنوا يكن الإيمان خيراً لكم، وأقوى هذه الأقوال الثالث، ثم الأوّل، ثم الثاني على ضعف فيه { وَإِن تَكْفُرُواْ } أي وإن تستمروا على كفركم { فَإِنَّ للَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأرْض } من مخلوقاته، وأنتم من جملتهم، ومن كان خالقاً لكم ولها فهو قادر على مجازاتكم بقبيح أفعالكم، ففي هذه الجملة، وعيد لهم مع إيضاح وجه البرهان، وإماطة الستر عن الدليل بما يوجب عليهم القبول والإذعان.

السابقالتالي
2 3 4