الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّتِي يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنْكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } * { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً } * { إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

لما ذكر سبحانه في هذه السورة الإحسان إلى النساء، وإيصال صدقاتهنّ إليهنّ، وميراثهنّ مع الرجال، ذكر التغليظ عليهنّ فيما يأتين به من الفاحشة لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهنّ ترك التعفف { وَٱللَّـٰتِى } جمع التي بحسب المعنى دون اللفظ، وفيه لغات اللاتي بإثبات التاء، والياء، واللات بحذف الياء، وإبقاء الكسرة لتدل عليها، واللائي بالهمزة والياء، واللاء بكسر الهمزة، وحذف الياء، ويقال في جمع الجمع اللواتي، واللوائي، واللوات، واللواء. والفاحشة الفعلة القبيحة، وهي مصدر كالعافية، والعاقبة، وقرأ ابن مسعود " بالفاحشة ". والمراد بها هنا الزنا خاصة، وإتيانها فعلها، ومباشرتها. والمراد بقوله { مّن نِّسَائِكُمُ } المسلمات، وكذا { مّنكُمْ } المراد به المسلمون. قوله { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ } كان هذا في أول الإسلام، ثم نسخ بقوله تعالىٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِى فَٱجْلِدُواْ } النور 2 وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور، وكذلك الأذى باقيان مع الجلد، لأنه لا تعارض بينها بل الجمع ممكن. قوله { أو يَجْعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً } هو ما في حديث عبادة الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم " خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام " الحديث. قوله { وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ } اللذان تثنية الذي، وكان القياس أن يقال اللذيان كرحيان. قال سيبويه حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة، وبين الأسماء المبهمة. وقال أبو علي حذفت الياء تخفيفاً. وقرأ ابن كثير " اللذان " بتشديد النون، وهي لغة قريش، وفيه لغة أخرى، وهي " اللذا " بحذف النون. وقرأ الباقون بتخفيف النون. قال سيبويه المعنى، وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها أي الفاحشة منكم ودخلت الفاء في الجواب، لأن في الكلام معنى الشرط. والمراد باللذان هنا الزاني، والزانية تغليباً، وقيل الآية الأولى في النساء خاصة محصنات وغير محصنات، والثانية في الرجال خاصة، وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال من أحصن، ومن لم يحصن، فعقوبة النساء الحبس، وعقوبة الرجال الأذى، واختار هذا النحاس، ورواه عن ابن عباس، ورواه القرطبي، عن مجاهد، وغيره، واستحسنه. وقال السدي، وقتادة، وغيرهما الآية الأولى في النساء المحصنات، ويدخل معهنّ الرجال المحصنون، والآية الثانية في الرجل والمرأة البكرين، ورجحه الطبري، وضعفه النحاس وقال تغليب المؤنث على المذكر بعيد. وقال ابن عطية إن معنى هذا القول تام إلا أن لفظ الآية يقلق عنه وقيل كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل، فخصت المرأة بالذكر في الإمساك، ثم جمعاً في الإيذاء، قال قتادة كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعاً. واختلف المفسرون في تفسير الأذى، فقيل التوبيخ، والتعيير، وقيل السبّ، والجفاء من دون تعيير، وقيل النيل باللسان، والضرب بالنعال، وقد ذهب قوم إلى أن الأذى منسوخ كالحبس.

السابقالتالي
2 3 4