الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً } * { وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } * { إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } * { وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً } * { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ ٱلرُّسُلِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

الباء في قوله { فَبِظُلْمٍ } للسببية، والتنكير والتنوين للتعظيم، أي فبسبب ظلم عظيم حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم، لا بسبب شيء آخر، كما زعموا أنها كانت محرّمة على من قبلهم. وقال الزجاج هذا بدل من قولهفَبِمَا نَقْضِهِم } النساء 155، المائدة 13. والطيبات المذكورة هي ما نصه الله سبحانهوَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِى ظُفُرٍ } الأنعام 146 الآية { وَبِصَدّهِمْ } أنفسهم وغيرهم { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } وهو اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وتحريفهم، وقتلهم الأنبياء، وما صدر منهم من الذنوب المعروفة. وقوله { كَثِيراً } مفعول للفعل المذكور، أي بصدّهم ناساً كثيراً، أو صفة مصدر محذوف، أي صدّاً كثيراً { وَأَخْذِهِمُ ٱلرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ } أي معاملتهم فيما بينهم بالربا، وأكلهم له، وهو محرّم عليهم { وَأَكْلِهِمْ أَمْوٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ } كالرشوة والسحت الذي كانوا يأخذونه. قوله { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ مِنْهُمْ } استدراك من قوله { وَأَعْتَدْنَا لِلْكَـٰفِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } أو { مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } وذلك أن اليهود أنكروا وقالوا إن هذه الأشياء كانت حراماً في الأصل، وأنت تحلها، فنزل { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ } والراسخ هو المبالغ في علم الكتاب الثابت فيه، والرسوخ الثبوت. وقد تقدّم الكلام عليه في آل عمران. والمراد عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ونحوهما. والراسخون مبتدأ، ويؤمنون خبره، والمؤمنون معطوف على الراسخون. والمراد بالمؤمنين إما من آمن من أهل الكتاب، أو من المهاجرين والأنصار، أو من الجميع. قوله { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ } قرأ الحسن، ومالك بن دينار، وجماعة " والمقيمون الصلاة " على العطف على ما قبله، وكذا هو في مصحف ابن مسعود، واختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال الأوّل قول سيبويه أنه نصب على المدح، أي وأعني المقيمين. قال سيبويه هذا باب ما ينتصب على التعظيم، ومن ذلك { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ } وأنشد
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم إلا نميراً أطاعت أمر غاويها الطاعنين ولما يطعنوا أحدا والقائلون لمن دار نخليها   
وأنشد
لا يبعدنّ قومي الذين هم سمّ العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر   
قال النحاس وهذا أصح ما قيل في المقيمين. وقال الكسائي، والخليل هو معطوف على قوله { بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ } قال الأخفش وهذا بعيد لأن المعنى يكون هكذا ويؤمنون بالمقيمين. ووجهه محمد بن يزيد المبرد بأن المقيمين هنا هم الملائكة، فيكون المعنى يؤمنون بما أنزل إليك، وبما أنزل من قبلك، وبالملائكة، واختار هذا. وحكى أن النصب على المدح بعيد لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر، وخبر الرّاسخون هو قوله { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } وقيل إن المقيمين معطوف على الضمير في قوله { مِنْهُمْ } وفيه أنه عطف على مضمر بدون إعادة الخافض.

السابقالتالي
2 3 4