الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذٰلِكَ فَقَالُوۤاْ أَرِنَا ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَاناً مُّبِيناً } * { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً } * { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } * { وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً } * { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } * { بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً }

قوله { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَـٰبِ } هم اليهود سألوه صلى الله عليه وسلم أن يرقى إلى السماء وهم يرونه، فينزل عليهم كتاباً مكتوباً فيما يدّعيه يدل على صدقه دفعة واحدة، كما أتى موسى التوراة تعنتاً منهم، أبعدهم الله، فأخبره الله عزّ وجلّ بأنهم قد سألوا موسى سؤالاً أكبر من هذا السؤال، فقالوا { أَرِنَا ٱللَّهِ جَهْرَةً } أي عياناً، وقد تقدّم معناه في البقرة، وجهرة نعت لمصدر محذوف، أي رؤية جهرة. وقوله { فَقَدْ سَأَلُواْ } جواب شرط مقدّر، أي إن استكبرت هذا السؤال منهم لك، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك. قوله { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّـٰعِقَةُ } هي النار التي نزلت عليهم من السماء فأهلكتهم، والباء في قوله { بِظُلْمِهِمْ } للسببية، أي بسبب ظلمهم في سؤالهم الباطل لامتناع الرؤية عياناً في هذه الحالة، وذلك لا يستلزم امتناعها يوم القيامة، فقد جاءت بذلك الأحاديث المتواترة. ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة، فقد غلط غلطاً بيناً، ثم لم يكتفوا بهذا السؤال الباطل الذي نشأ منهم بسبب ظلمهم بعد ما رأوا المعجزات، بل ضموا إليه ما هو أقبح منه، وهو عبادة العجل. وفي الكلام حذف والتقدير فأحييناهم فاتخذوا العجل. والبينات البراهين، والدلائل، والمعجزات من اليد، والعصا، وفلق البحر وغيرها { فَعَفَوْنَا عَن ذٰلِكَ } أي عما كان منهم من التعنت، وعبادة العجل، { وآتينا موسى سلطاناً مبيناً } أي حجة بينة وهي الآيات التي جاء بها، وسميت سلطاناً لأن من جهر بها قهر خصمه، ومن ذلك أمر الله سبحانه له بأن يأمرهم بقتل أنفسهم توبة عن معصيتهم، فإنه من جملة السلطان الذي قهرهم به { وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَـٰقِهِمْ } أي بسبب ميثاقهم ليعطوه لأنه روى أنهم امتنعوا من قبول شريعة موسى، فرفع الله عليهم الطور فقبلوها. وقيل إن المعنى بسبب نقضهم ميثاقهم الذي أخذ منهم، وهو العمل بما في التوراة، وقد تقدّم رفع الجبل في البقرة، وكذلك تفسير دخولهم الباب سجداً { وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِى ٱلسَّبْتِ } فتأخذوا ما أمرتم بتركه فيه من الحيتان، وقد تقدّم تفسير ذلك، وقرىء " لا تعتدوا " ، وتعدّوا بفتح العين، وتشديد الدال { وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مّيثَـٰقاً غَلِيظاً } مؤكداً، وهو العهد الذي أخذه عليهم في التوراة. وقيل إنه عهد مؤكداً باليمين، فسمي غليظاً لذلك. قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } ما مزيدة للتوكيد، أو نكرة، ونقضهم بدل منها، والباء متعلقة بمحذوف، والتقدير فبنقضهم ميثاقهم لعناهم. وقال الكسائي هو متعلق بما قبله والمعنى فأخذتهم الصاعقة بظلمهم إلى قوله { فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ } قال ففسر ظلمهم الذي أخذتهم الصاعقة بسببه بما بعده من نقضهم ميثاقهم، وقتلهم الأنبياء وما بعده.

السابقالتالي
2 3 4 5