الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً } * { بَشِّرِ ٱلْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } * { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } * { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } * { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوۤاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً }

أخبر الله سبحانه عن هذه الطائفة التي آمنت ثم كفرت ثم آمنت، ثم كفرت، ثم ازدادت كفراً بعد ذلك كله، أنه لم يكن الله سبحانه ليغفر لهم ذنوبهم، ولا ليهديهم سبيلاً يتوصلون به إلى الحق، ويسلكونه إلى الخير لأنه يبعد منهم كل البعد أن يخلصوا لله، ويؤمنوا إيماناً صحيحاً، فإن هذا الاضطراب منهم تارة يدّعون أنهم مؤمنون، وتارة يمرقون من الإيمان ويرجعون إلى ما هو دأبهم، وشأنهم من الكفر المستمرّ، والجحود الدائم يدلّ أبلغ دلالة على أنهم متلاعبون بالدين، ليست لهم نية صحيحة، ولا قصد خالص. قيل المراد بهؤلاء اليهود فإنهم آمنوا بموسى، ثم كفروا بعزير، ثم آمنوا بعزير، ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقيل آمنوا بموسى، ثم كفروا به بعبادتهم العجل، ثم آمنوا به عند عوده إليهم، ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفراً بكفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بالآية أنهم ازدادوا كفراً واستمروا على ذلك كما هو الظاهر من حالهم، وإلا فالكافر إذا آمن وأخلص إيمانه، وأقلع عن الكفر، فقد هداه الله السبيل الموجب للمغفرة، " والإسلام يجبّ ما قبله " ، ولكن لما كان هذا مستبعداً منهم جداً كان غفران ذنوبهم، وهدايتهم إلى سبيل الحق مستبعداً. قوله { بَشّرِ ٱلْمُنَـٰفِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } إطلاق البشارة على ما هو شرّ خالص لهم تهكم بهم، وقد مرّ تحقيقه. وقوله { ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَـٰفِرِينَ أَوْلِيَاء } وصف للمنافقين، أو منصوب على الذمّ، أي يجعلون الكفار أولياء لهم يوالونهم على كفرهم، ويمالئونهم على ضلالهم. وقوله { مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } في محل نصب على الحال، أي يوالون الكافرين متجاوزين ولاية المؤمنين { أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ } هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والجملة معترضة. قوله { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } هذه الجملة تعليل لما تقدّم من توبيخهم بابتغاء العزّة عند الكافرين، وجميع أنواع العزّة، وأفرادها مختص بالله سبحانه، وما كان منها مع غيره، فهو من فيض، وتفضله كما في قولهوَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } المنافقون 8 والعزة الغلبة. يقال عزّه يعزّه عزّا إذا غلبه { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } الخطاب لجميع من أظهر الإيمان من مؤمن ومنافق لأن من أظهر الإيمان، فقد لزمه أن يمتثل ما أنزله الله وقيل إنه خطاب للمنافقين فقط كما يفيده التشديد والتوبيخ. وقرأ عاصم، ويعقوب { نزل } بفتح النون والزاي وتشديدها، وفاعله ضمير راجع إلى اسم الله تعالى في قوله { فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً }. وقرأ حميد بتخفيف الزاي مفتوحة مع فتح النون، وقرأ الباقون بضم النون مع كسر الزاي مشدّدة على البناء للمجهول. وقوله { أن إذا سمعتم آيات الله } في محل نصب على القراءة الأولى على أنه مفعول { نزل }.

السابقالتالي
2 3 4 5