الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلأنْفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً }

{ امرأة } مرفوعة بفعل مقدّر يفسره ما بعده، أي وإن خافت امرأة، وخافت بمعنى توقعت ما تخاف من زوجها، وقيل معناه تيقنت وهو خطأ. قال الزجاج المعنى { وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَـٰفَتْ مِن بَعْلِهَا } دوام النشوز. قال النحاس الفرق بين النشوز والإعراض أن النشوز التباعد، والإعراض أن لا يكلمها ولا يأنس بها، وظاهر الآية أنها تجوز المصالحة عند مخافة أيّ نشوز، أو أيّ إعراض، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب الذي سيأتي، وظاهرها أنه يجوز التصالح بأيّ نوع من أنواعه، إما بإسقاط النوبة، أو بعضها، أو بعض النفقة، أو بعض المهر. قوله { أن يصالحا } هكذا قرأه الجمهور، وقرأ الكوفيون «أن يصلحا» وقراءة الجمهور أولى لأن قاعدة العرب أن الفعل إذا كان بين اثنين فصاعداً قيل تصالح الرجلان، أو القوم، لا أصلح. وقوله { صَـٰلِحاً } منصوب على أنه اسم مصدر، أو على أنه مصدر محذوف الزوائد، أو منصوب بفعل محذوف، أي فيصلح حالهما صلحاً، وقيل هو منصوب على المفعولية. وقوله { بَيْنَهُمَا } ظرف للفعل، أو في محل نصب على الحال. قوله { وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ } لفظ عام يقتضي أن الصلح الذي تسكن إليه النفوس، ويزول به الخلاف خير على الإطلاق أو خير من الفرقة، أو من الخصومة، وهذه جملة اعتراضية. قوله { وَأُحْضِرَتِ ٱلأنفُسُ ٱلشُّحَّ } إخبار منه سبحانه بأن الشحّ في كل واحد منهما، بل في كل الأنفس الإنسانية كائن، وأنه جعل كأنه حاضر لها لا يغيب عنها بحال من الأحوال، وأن ذلك بحكم الجبلة والطبيعة، فالرجل يشحّ بما يلزمه للمرأة من حسن العشرة، وحسن النفقة ونحوها، والمرأة تشحّ على الرجل بحقوقها اللازمة للزوج، فلا تترك له شيئاً منها. وشحّ الأنفس بخلها بما يلزمها، أو يحسن فعله بوجه من الوجوه، ومنهوَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } الحشر 9. قوله { وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ } أي تحسنوا عشرة النساء، وتتقوا ما لا يجوز من النشوز والإعراض { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } فيجازيكم يا معشر الأزواج بما تستحقونه. قوله { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ ٱلنّسَاء } أخبر سبحانه بنفي استطاعتهم للعدل بين النساء على الوجه الذي لا ميل فيه ألبتة لما جبلت عليه الطباع البشرية من ميل النفس إلى هذه دون هذه، وزيادة هذه في المحبة، ونقصان هذه، وذلك بحكم الخلقة بحيث لا يملكون قلوبهم، ولا يستطيعون توقيف أنفسهم على التسوية، ولهذا كان يقول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم " اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك " ولما كانوا لا يستطيعون ذلك، ولو حرصوا عليه، وبالغوا فيه نهاهم عزّ وجلّ عن أن يميلوا كل الميل لأن ترك ذلك وتجنب الجور كل الجور في وسعهم، وداخل تحت طاقتهم، فلا يجوز لهم أن يميلوا عن إحداهنّ إلى الأخرى كل الميل حتى يذروا الأخرى كالمُعلقة التي ليست ذات زوج، ولا مطلقة تشبيهاً بالشيء الذي هو معلق غير مستقرّ على شيء، وفي قراءة أبيّ «فتذروها كالمسجونة» قوله { وَإِن تُصْلِحُواْ } أي ما أفسدتم من الأمور التي تركتم ما يجب عليكم فيها من عشرة النساء، والعدل بينهنّ { وَتَتَّقُواْ } كل الميل الذي نهيتم عنه { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } لا يؤاخذكم بما فرط منكم.

السابقالتالي
2 3