سبب نزول هذه الآية سؤال قوم من الصحابة عن أمر النساء، وأحكامهن في الميراث وغيره، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم { ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ } أي يبين لكم حكم ما سألتم عنه، وهذه الآية رجوع إلى ما افتتحت به السورة من أمر النساء، وكان قد بقيت لهم أحكام لم يعرفوها، فسألوا، فقيل لهم { ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ }. قوله { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } معطوف على قوله { ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ } والمعنى والقرآن الذي يتلى عليكم يفتيكم فيهن. والمتلوّ في الكتاب في معنى اليتامى قوله تعالى{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ } النساء 3 ويجوز أن يكون قوله { وما يتلى } معطوفاً على الضمير في قوله { يُفْتِيكُمْ } الراجع إلى المبتدأ لوقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالمفعول والجار والمجرور، ويجوز أن يكون مبتدأ، و { في الكتاب } خبره على أن المراد به اللوح المحفوظ، وقد قيل في إعرابه غير ما ذكرنا، ولم نذكره لضعفه. قوله { فِى يَتَـٰمَى ٱلنّسَاء } على الوجه الأوّل والثاني صلة لقوله { يُتْلَىٰ } وعلى الوجه الثالث بدل من قوله { فِيهِنَّ }. { ٱلَّلَـٰتِى لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } أي ما فرض لهنّ من الميراث وغيره { وَتَرْغَبُونَ } معطوف على قوله { لاَ تُؤْتُونَهُنَّ } عطف جملة مثبتة على جملة منفية. وقيل حال من فاعل { تُؤْتُونَهُنَّ }. وقوله { أَن تَنكِحُوهُنَّ } يحتمل أن يكون التقدير في أن تنكحوهن، أي ترغبون في أن تنكحوهنّ لجمالهنّ، ويحتمل أن يكون التقدير، وترغبون عن أن تنكحوهنّ لعدم جمالهنّ. قوله { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدٰنِ } معطوف على يتامى النساء، أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين من الولدان، وهو قوله تعالى{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ } النساء 11. وقد كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء، ولا من كان مستضعفاً من الولدان، كما سلف، وإنما يورثون الرجال القائمين بالقتال وسائر الأمور. قوله { وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَـٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ } معطوف على قوله { فِى يَتَـٰمَى ٱلنّسَاء } كالمستضعفين أي وما يتلى عليكم في يتامى النساء، وفي المستضعفين، وفي أن تقوموا لليتامى بالقسط، أي العدل، ويجوز أن يكون في محل نصب، أي ويأمركم أن تقوموا { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ } في حقوق المذكورين { فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً } يجازيكم بحسب فعلكم من خير وشر. وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنّسَاء } الآية، قال كان أهل الجاهلية لا يورثون المولود حتى يكبر، ولا يورثون المرأة، فلما كان الإسلام قال { وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى ٱلنّسَاء قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَـٰبِ } في أوّل السورة في الفرائض.