الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ بِأَمَـٰنِيِّكُمْ وَلاۤ أَمَانِيِّ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوۤءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } * { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَٰهِيمَ حَنِيفاً وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً } * { وَللَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً }

قرأ أبو جعفر بتخفيف الياء من أماني في الموضعين، واسم ليس محذوف، أي ليس دخول الجنة، أو الفضل، أو القرب من الله بأمانيكم، ولا أمانيّ أهل الكتاب، كما يدل على ذلك سبب نزول الآية الآتي، وقيل ضمير يعود إلى وعد الله، وهو بعيد، ومن أمانيّ أهل الكتاب قولهملَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } البقرة 111 وقولهمنَحْنُ أَبْنَاء ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } المائدة 18 وقولهملَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } البقرة 80. قوله { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } قيل المراد بالسوء الشرك، وظاهر الآية أعمّ من ذلك، فكلّ من عمل سوءاً أي سوء كان فهو مجزي به من غيره فرق بين المسلم والكافر. وفي هذه الجملة ما ترجف له القلوب من الوعيد الشديد، وقد كان لها في صدور المسلمين عند نزولها موقع عظيم كما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة، قال لما نزلت { مَن يَعْمَلْ سُوءا يُجْزَ بِهِ } بلغت من المسلمين مبلغاً شديداً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قاربوا وسدّدوا، في كل ما يصاب به المسلم كفارة حتى النكبة ينكبها، والشوكة يشاكها " قوله { وَلاَ يَجِدْ لَهُ } قرأه الجماعة بالجزم عطفاً على الجزاء. وروى ابن بكار عن ابن عامر { وَلاَ يَجِدْ } بالرفع استئنافاً، أي ليس لمن يعمل السوء من دون الله ولياً يواليه ولا نصيراً ينصره. { وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتَ } أي بعضها حال كونه { مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ } وحال كونه مؤمناً، والحال الأولى لبيان من يعمل، والحال الأخرى لإفادة اشتراط الإيمان في كل عمل صالح { فَأُوْلَـئِكَ } إشارة إلى العمل المتصف بالإيمان { يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ } قرأ أبو عمرو، وابن كثير " يَدْخُلُونَ " بضم حرف المضارعة على البناء للمجهول. وقرأ الباقون بفتحها على البناء للمعلوم { وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً } أي لا ينقصون شيئاً حقيراً، وقد تقدّم تفسير النقير { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله } أي أخلص نفسه له حال كونه محسناً، أي عاملاً للحسنات { واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ } أي دينه حال كون المتبع { حَنِيفاً } أي مائلاً عن الأديان الباطلة إلى دين الحق، وهو الإسلام { وَٱتَّخَذَ ٱللَّهُ إِبْرٰهِيمَ خَلِيلاً } أي جعله صفوة له، وخصه بكراماته، قال ثعلب إنما سمي الخليل خليلاً لأن محبته تتخلل القلب، فلا تدع فيه خليلاً إلا ملأته، وأنشد قول بشار
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلاً   
وخليل فعيل بمعنى فاعل كالعليم بمعنى العالم وقيل هو بمعنى المفعول كالحبيب بمعنى المحبوب. وقد كان إبراهيم عليه السلام محبوباً لله ومحباً له. وقيل الخليل من الاختصاص، فالله سبحانه اختص إبراهيم برسالته في ذلك الوقت واختاره لها، واختار هذا النحاس.

السابقالتالي
2