الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً } * { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } * { وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً } * { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً } * { هَٰأَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ جَٰدَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَٰدِلُ ٱللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً }

قوله { بِمَا أَرَاكَ ٱللَّهُ } إما بوحي أو بما هو جار على سنن ما قد أوحي الله به. وليس المراد هنا رؤية العين لأن الحكم لا يرى، بل المراد بما عرّفه الله به وأرشده إليه. قوله { وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ } أي لأجل الخائنين خصيماً، أي مخاصماً عنهم مجادلاً للمحقين بسببهم. وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد إلا بعد أن يعلم أنه محق. قوله { وَٱسْتَغْفِرِ ٱللَّهِ } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستغفار. قال ابن جرير إن المعنى استغفر الله من ذنبك في خصامك للخائنين، وسيأتي بيان السبب الذي نزلت لأجله الآية، وبه يتضح المراد. وقيل المعنى واستغفر الله للمذنبين من أمتك، والمخاصمين بالباطل. قوله { وَلاَ تُجَـٰدِلْ عَنِ ٱلَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ } أي لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم، والمجادلة مأخوذة من الجدل، وهو القتل، وقيل مأخوذة من الجدالة، وهي وجه الأرض لأن كل واحد من الخصمين يريد أن يلقي صاحبه عليها، وسمي ذلك خيانة لأنفسهم لأن ضرر معصيتهم راجع إليهم. والخوّان كثير الخيانة، والأثيم كثير الإثم، وعدم المحبة كناية عن البغض. قوله { يَسْتَخْفُونَ مِنَ ٱلنَّاسِ } أي يستترون منهم كقولهومن هو مستخف بالليل } الرعد 10 أي مستتر. وقيل معناه يستخفون من الناس، ولا يستخفون من الله، أي لا يستترون منه أو لا يستحيون منه، والحال أنه معهم في جميع أحوالهم عالم بما هم فيه، فكيف يستخفون منه؟ { إِذْ يُبَيّتُونَ } أي يديرون الرأي بينهم، وسماه تبييتاً، لأن الغالب أن تكون إدارة الرأي بالليل { مَا لاَ يَرْضَىٰ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أي من الرأي الذي أداروه بينهم، وسماه قولاً لأنه لا يحصل إلا بعد المداولة بينهم. قوله { ها أَنتُمْ هَـٰؤُلاء } يعني القوم الذين جادلوا عن صاحبهم السارق، كما سيأتي، والجملة مبتدأ وخبر. قال الزجاج { أُوْلاء } بمعنى الذين و { جَـٰدَلْتُمْ } بمعنى حاججتم { فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا فَمَن يُجَـٰدِلُ الله عنهم يوم القيامة } الاستفهام للإنكار والتوبيخ، أي فمن يخاصم ويجادل الله عنهم يوم القيامة عند تعذيبهم بذنوبهم؟ { أَمْ مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً } أي مجادلاً ومخاصماً، والوكيل في الأصل القائم بتدبير الأمور. والمعنى من ذاك يقوم بأمرهم إذا أخذهم الله بعذابه. وقد أخرج الترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، عن قتادة بن النعمان، قال كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر، وبشير، ومبشر، وكان بشر رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينحله بعض العرب، ثم يقول قال فلان كذا وكذا. قال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث، فقال

السابقالتالي
2 3