الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } * { أَوَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { وَأَنِـيبُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُواْ لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَٱتَّبِعُـوۤاْ أَحْسَنَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُـمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُـمُ ٱلْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { أَن تَقُولَ نَفْسٌ يٰحَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ ٱللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ ٱلسَّاخِرِينَ } * { أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ ٱللَّهَ هَدَانِي لَكُـنتُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَـرَّةً فَأَكُونَ مِنَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { بَلَىٰ قَدْ جَآءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَٱسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى ٱللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } * { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوۤءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

قوله { فَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ } المراد بالإنسان هنا الجنس باعتبار بعض أفراده، أو غالبها. وقيل المراد به الكفار فقط، والأوّل أولى، ولا يمنع من حمله على الجنس خصوص سببه، لأن الاعتبار بعموم اللفظ، وفاء بحقّ النظم القرآني، ووفاء بمدلوله، والمعنى أن شأن غالب نوع الإنسان أنه إذا مسه ضرّ من مرض، أو فقر، أو غيرهما دعا الله، وتضرع إليه في رفعه، ودفعه { ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَـٰهُ نِعْمَةً مّنَّا } أي أعطيناه نعمة كائنة من عندنا { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } مني بوجوه المكاسب، أو على خير عندي، أو على علم من الله بفضلي. وقال الحسن على علم علمني الله إياه. وقيل قد علمت أني إذا أوتيت هذا في الدنيا أن لي عند الله منزلة، وجاء بالضمير في أوتيته مذكراً مع كونه راجعاً إلى النعمة لأنها بمعنى الإنعام. وقيل إن الضمير عائد إلى ما، وهي موصولة، والأوّل أولى { بَلْ هِىَ فِتْنَةٌ } هذا ردّ لما قاله، أي ليس ذلك الذي أعطيناك لما ذكرت، بل هو محنة لك، واختبار لحالك أتشكر أم تكفر؟ قال الفراء أنث الضمير في قوله «هي» لتأنيث الفتنة، ولو قال بل هو فتنة لجاز. وقال النحاس بل عطيته فتنة. وقيل تأنيث الضمير باعتبار لفظ الفتنة، وتذكير الأوّل في قوله { أُوتِيتُهُ } باعتبار معناها { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أن ذلك استدراج لهم من الله، وامتحان لما عندهم من الشكر، أو الكفر. { قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أي قال هذه الكلمة التي قالوها، وهي قولهم إنما أوتيته على علم الذين من قبلهم كقارون، وغيره، فإن قارون قالإِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِى } القصص 78 { فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } يجوز أن تكون " ما " هذه نافية، أي لم يغن عنهم ما كسبوا من متاع الدنيا شيئاً، وأن تكون استفهامية، أي أيّ شيء أغنى عنهم ذلك { فَأَصَـٰبَهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } أي جزاء سيئات كسبهم، أو أصابهم سيئات هي جزاء كسبهم، وسمي الجزاء سيئات لوقوعها في مقابلة سيئاتهم، فيكون ذلك من باب المشاكلة كقولهوَجَزَاء سَيّئَةٍ سَيّئَةٌ مّثْلُهَا } الشورى 40. ثم أوعد سبحانه الكفار في عصره، فقال { وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـؤُلاَء } الموجودين من الكفار { سَيُصِيبُهُمْ سَيّئَاتُ مَا كَسَبُواْ } كما أصاب من قبلهم، وقد أصابهم في الدنيا ما أصابهم من القحط، والقتل، والأسر، والقهر { وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي بفائتين على الله بل مرجعهم إليه يصنع بهم ما شاء من العقوبة. { أَوَ لَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء } أي يوسع الرزق لمن يشاء أن يوسعه له { وَيَقْدِرُ } أي يقبضه لمن يشاء أن يقبضه، ويضيقه عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7