الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ } * { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلٍّ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي ٱنتِقَامٍ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } * { قُلْ يٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُـمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ لِلنَّـاسِ بِٱلْحَقِّ فَـمَنِ ٱهْتَـدَىٰ فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَـلَّ فَإنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِـيلٍ } * { ٱللَّهُ يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا وَٱلَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِـهَا فَيُمْسِكُ ٱلَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا ٱلْمَوْتَ وَيُرْسِلُ ٱلأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }

قوله { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ } قرأ الجمهور { عبده } بالإفراد. وقرأ حمزة، والكسائي عباده بالجمع، فعلى القراءة الأولى المراد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الجنس، ويدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم دخولاً أوّلياً، وعلى القراءة الأخرى المراد الأنبياء أو المؤمنون أو الجميع، واختار أبو عبيد قراءة الجمهور، لقوله عقبه { ويخوّفونك } ، والاستفهام للإنكار لعدم كفايته سبحانه على أبلغ وجه كأنها بمكان من الظهور لا يتيسر لأحد أن ينكره. وقيل المراد بالعبد، والعباد ما يعمّ المسلم، والكافر. قال الجرجاني إن الله كاف عبده المؤمن، وعبده الكافر هذا بالثواب، وهذا بالعقاب. وقرىء بكافي عباده بالإضافة، وقرىء يكافي بصيغة المضارع، وقوله { وَيُخَوّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } يجوز أن يكون في محل نصب على الحال، إذ المعنى أليس كافيك حال تخويفهم إياك؟ ويجوز أن تكون مستأنفة، والذين من دونه عبارة عن المعبودات التي يعبدونها { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } أي من حقّ عليه القضاء بضلاله، فما له من هاد يهديه إلى الرّشد، ويخرجه من الضلالة. { وَمَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّضِلّ } يخرجه من الهداية، ويوقعه في الضلالة { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِعَزِيزٍ } أي غالب لكل شيء قاهر له { ذِى ٱنتِقَامٍ } ينتقم من عصاته بما يصبه عليهم من عذابه، وما ينزله بهم من سوط عقابه. { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ } ذكر سبحانه اعترافهم إذا سئلوا عن الخالق بأن الله سبحانه مع عبادتهم للأوثان، واتخاذهم الآلهة من دون الله، وفي هذا أعظم دليل على أنهم كانوا في غفلة شديدة، وجهالة عظيمة لأنهم إذا علموا أن الخالق لهم، ولما يعبدون من دون الله هو الله سبحانه، فكيف استحسنت عقولهم عبادة غير خالق الكل، وتشريك مخلوق مع خالقه في العبادة؟ وقد كانوا يذكرون بحسن العقول، وكمال الإدراك، والفطنة التامة، ولكنهم لما قلدوا أسلافهم، وأحسنوا الظنّ بهم هجروا ما يقتضيه العقل، وعملوا بما هو محض الجهل. ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يبكتهم بعد هذا الاعتراف، ويوبخهم، فقال { قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ } أي أخبروني عن آلهتكم هذه هل تقدر على كشف ما أراده الله بي من الضرّ، والضرّ هو الشدّة، أو أعلى { أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ } عنِّي بحيث لا تصل إليّ، والرحمة النعمة، والرّخاء. قرأ الجمهور ممسكات، وكاشفات في الموضعين بالإضافة، وقرأهما أبو عمرو، بالتنوين. قال مقاتل لما نزلت هذه الآية سألهم النبي صلى الله عليه وسلم، فسكتوا، وقال غيره قالوا لا تدفع شيئاً من قدر الله، ولكنها تشفع، فنزل { قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ } في جميع أموري في جلب النفع، ودفع الضرّ { عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ } أي عليه، لا على غيره يعتمد المعتمدون، واختار أبو عبيد، وأبو حاتم قراءة أبي عمرو، لأن كاشفات اسم فاعل في معنى الاستقبال، وما كان كذلك، فتنوينه أجود، وبها قرأ الحسن، وعاصم.

السابقالتالي
2 3