الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ } * { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } * { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } * { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ } * { قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } * { قَالَ فَٱخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } * { وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلدِّينِ } * { قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِيۤ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } * { قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ } * { إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ } * { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } * { إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } * { قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } * { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ } * { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ }

لما ذكر سبحانه خصومة الملائكة إجمالاً فيما تقدّم ذكرها هنا تفصيلاً، فقال { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ } " إذ " هذه هي بدل من { إِذْ يَخْتَصِمُونَ } لاشتمال ما في حيز هذه على الخصومة. وقيل هي منصوبة بإضمار اذكر، والأوّل أولى إذا كانت خصومة الملائكة في شأن من يستخلف في الأرض. وأما إذا كانت في غير ذلك مما تقدّم ذكره، فالثاني أولى { إِنّى خَـٰلِقٌ بَشَراً مّن طِينٍ } أي خالق فيما سيأتي من الزمن { بَشَرًا } أي جسماً من جنس البشر مأخوذ من مباشرته للأرض، أو من كونه بادي البشرة. وقوله { مِن طِينٍ } متعلق بمحذوف هو صفة لبشر، أو بخالق، ومعنى { فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } صوّرته على صورة البشر، وصارت أجزاؤه مستوية { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى } أي من الروح الذي أملكه، ولا يملكه غيري. وقيل هو تمثيل، ولا نفخ، ولا منفوخ فيه. والمراد جعله حياً بعد أن كان جماداً لا حياة فيه. وقد مرّ الكلام في هذا في سورة النساء { فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ } هو أمر من وقع يقع، وانتصاب { ساجدين } على الحال، والسجود هنا هو سجود التحية لا سجود العبادة، وقد مضى تحقيقه في سورة البقرة. { فَسَجَدَ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } في الكلام حذف تدلّ عليه الفاء، والتقدير فخلقه، فسوّاه، ونفخ فيه من روحه، فسجد له الملائكة. وقوله { كُلُّهُمْ } يفيد أنهم سجدوا جميعاً، ولم يبق منهم أحد. وقوله { أَجْمَعُونَ } يفيد أنهم اجتمعوا على السجود في وقت واحد، فالأوّل لقصد الإحاطة، والثاني لقصد الاجتماع. قال في الكشاف فأفادا معاً أنهم سجدوا عن آخرهم ما بقي منهم ملك إلا سجد، وأنهم سجدوا جميعاً في وقت واحد غير متفرّقين في أوقات. وقيل إنه أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم { إِلاَّ إِبْلِيسَ } الاستثناء متصل على تقدير أنه كان متصفاً بصفات الملائكة داخلاً في عدادهم، فغلبوا عليه، أو منقطع على ما هو الظاهر من عدم دخوله فيهم، أي لكن إبليس { ٱسْتَكْبَرَ } أي أنف من السجود جهلاً منه بأنه طاعة لله، وكان استكباره استكبار كفر، فلذلك { كَانَ مِنْ ٱلْكَـٰفِرِينَ } أي صار منهم بمخالفته لأمر الله، واستكباره عن طاعته، أو كان من الكافرين في علم الله سبحانه، وقد تقدّم الكلام على هذا مستوفى في سورة البقرة، والأعراف، وبني إسرائيل، والكهف، وطه. ثم إن الله سبحانه سأله عن سبب تركه للسجود الذي أمره به فقال { يَـاإِبْلِيسَ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ } أي ما صرفك، وصدّك عن السجود لما توليت خلقه من غير واسطة؟ وأضاف خلقه إلى نفسه تكريماً له، وتشريفاً، مع أنه سبحانه خالق كل شيء كما أضاف إلى نفسه الروح، والبيت، والناقة، والمساجد.

السابقالتالي
2 3 4 5