الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } * { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ } * { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } * { وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي ٱلأَصْفَادِ } * { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ }

قوله { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـٰنَ } أي ابتليناه، واختبرناه. قال الواحدي قال أكثر المفسرين تزوّج سليمان امرأة من بنات الملوك، فعبدت الصنم في داره، ولم يعلم بذلك سليمان، فامتحن بسبب غفلته عن ذلك. وقيل إن سبب الفتنة أنه تزوّج سليمان امرأة يقال لها جرادة، وكان يحبها حباً شديداً، فاختصم إليه فريقان أحدهما من أهل جرادة، فأحبّ أن يكون القضاء لهم، ثم قضى بينهم بالحق. وقيل إن السبب أنه احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يقضي بين أحد. وقيل إنه تزوّج جرادة هذه، وهي مشركة لأنه عرض عليها الإسلام، فقالت اقتلني، ولا أسلم. وقال كعب الأحبار إنه لما ظلم الخيل بالقتل سلب ملكه. وقال الحسن إنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض أو غيره. وقيل إنه أمر أن لا يتزوّج امرأة إلا من بني إسرائيل، فتزوّج امرأة من غيرهم. وقيل إن سبب فتنته ما ثبت في الحديث الصحيح أنه قال لأطوفنّ الليلة على تسعين امرأة تأتي كلّ واحدة بفارس يقاتل في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله. وقيل غير ذلك. ثم بيّن سبحانه ما عاقبه به، فقال { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيّهِ جَسَداً } انتصاب { جسداً } على أنه مفعول { ألقينا } ، وقيل انتصابه على الحال على تأويله بالمشتق، أي ضعيفاً، أو فارغاً، والأوّل أولى. قال أكثر المفسرين هذا الجسد الذي ألقاه الله على كرسيّ سليمان هو شيطان اسمه صخر، وكان متمّرداً عليه غير داخل في طاعته، ألقى الله شبه سليمان عليه، وما زال يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان، وذلك عند دخول سليمان الكنيف لأنه كان يلقيه إذا دخل الكنيف، فجاء صخر في صورة سليمان، فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان، فقعد على سرير سليمان، وأقام أربعين يوماً على ملكه، وسليمان هارب. وقال مجاهد إن شيطاناً قال له سليمان كيف تفتنون الناس؟ قال أرني خاتمك أخبرك، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر، فذهب ملكه، وقعد الشيطان على كرسيه، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهنّ، وكان سليمان يستطعم، فيقول أتعرفونني أطعموني؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوماً حوتاً، فشقّ بطنه، فوجد خاتمه في بطنه، فرجع إليه ملكه، وهو معنى قوله { ثُمَّ أَنَابَ } أي رجع إلى ملكه بعد أربعين يوماً. وقيل معنى أناب رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه، وهذا هو الصواب، وتكون جملة { قَالَ رَبّ ٱغْفِرْ لِى } بدلاً من جملة أناب، وتفسيراً له، أي اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله. ثم لما قدّم التوبة، والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته، فقال { وَهَبْ لِى مُلْكاً لاَّ يَنبَغِى لأحَدٍ مّن بَعْدِى } قال أبو عبيدة معنى لا ينبغي لأحد من بعده لا يكون لأحد من بعدي.

السابقالتالي
2 3 4