الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } * { وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ لْئَيْكَةِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلأَحْزَابُ } * { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } * { وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ } * { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ ٱلْحِكْمَةَ وَفَصْلَ ٱلْخِطَابِ } * { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَؤُاْ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَىٰ بَعْضُنَا عَلَىٰ بَعْضٍ فَٱحْكُمْ بَيْنَنَا بِٱلْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَٱهْدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَاطِ } * { إِنَّ هَذَآ أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِي نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } * { قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ } * { فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَـآبٍ }

لما ذكر سبحانه أحوال الكفار المعاصرين لرسول الله ذكر أمثالهم ممن تقدّمهم، وعمل عملهم من الكفر والتكذيب، فقال { كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ ذُو ٱلأَوْتَادِ } قال المفسرون كانت له أوتاد يعذب بها الناس، وذلك أنه كان إذا غضب على أحد، وتد يديه، ورجليه، ورأسه على الأرض. وقيل المراد بالأوتاد الجموع، والجنود الكثيرة، يعني أنهم كانوا يقوّون أمره، ويشدّون سلطانه كما تقوى الأوتاد ما ضربت عليه، فالكلام خارج مخرج الاستعارة على هذا. قال ابن قتيبة العرب تقول هم في عزّ ثابت الأوتاد، وملك ثابت الأوتاد، يريدون ملكاً دائماً شديداً، وأصل هذا أن البيت من بيوت الشعر إنما يثبت، ويقوم بالأوتاد. وقيل المراد بالأوتاد هنا البناء المحكم، أي وفرعون ذو الأبنية المحكمة. قال الضحاك والبنيان يسمى أوتاداً، والأوتاد جمع وتد أفصحها فتح الواو، وكسر التاء، ويقال وتد بفتحهما، وودّ بإدغام التاء في الدال، وودت. قال الأصمعي ويقال وتد واتد مثل شغل شاغل، وأنشد
لاقت علي الماء جذيلاً واتدا ولم يكن يخلفها المواعدا   
{ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَـٰبُ الأَيْكَةِ } الأيكة الغيضة، وقد تقدّم تفسيرها، واختلاف القرّاء في قراءتها في سورة الشعراء، ومعنى { أُوْلَـئِكَ ٱلأَحْزَاب } أنهم الموصوفون بالقوّة، والكثرة كقولهم فلان هو الرجل، وقريش وإن كانوا حزباً كما قال الله سبحانه فيما تقدّمجُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مّن ٱلأَحَزَابِ } صۤ 11 ولكن هؤلاء الذين قصهم الله علينا من الأمم السالفة هم أكثر منهم عدداً، وأقوى أبداناً، وأوسع أموالاً، وأعماراً، وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة، ويجوز أن تكون خبراً، والمبتدأ قوله { وَعَادٌ } كذا قال أبو البقاء، وهو ضعيف، بل الظاهر أن { عاد } ، وما بعده معطوفات على { قوم نوح } ، والأولى أن تكون هذه الجملة خبراً لمبتدأ محذوف، أو بدلاً من الأمم المذكورة { إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ } إن هي النافية، والمعنى ما كلّ حزب من هذه الأحزاب إلا كذب الرسل، لأن تكذيب الحزب لرسوله المرسل إليه تكذيب لجميع الرسل، أو هو من مقابلة الجمع بالجمع، والمراد تكذيب كلّ حزب لرسوله، والاستثناء مفرغ من أعمّ الأحوال، أي ما كلّ أحد من الأحزاب في جميع أحواله إلا وقع منه تكذيب الرسل { فَحَقَّ عِقَابِ } أي فحقّ عليهم عقابي بتكذيبهم، ومعنى حقّ ثبت، ووجب، وإن تأخر، فكأنه واقع بهم، وكلّ ما هو آتٍ قريب. قرأ يعقوب بإثبات الياء في { عقاب } ، وحذفها الباقون مطابقة لرؤوس الآي. { وَمَا يَنظُرُ هَـؤُلآء إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } أي ما ينتظرون إلا صيحة، وهي النفخة الكائنة عند قيام الساعة. وقيل هي النفخة الثانية، وعلى الأوّل المراد من عاصر نبينا صلى الله عليه وسلم من الكفار، وعلى الثاني المراد كفار الأمم المذكورة، أي ليس بينهم، وبين حلول ما أعدّ الله لهم من عذاب النار إلا أن ينفخ في الصور النفخة الثانية.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9