لما ذكر سبحانه أنه أرسل في الأمم الماضية منذرين ذكر تفصيل بعض ما أجمله، فقال { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } واللام هي الموطئة للقسم، وكذا اللام في قوله { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } أي نحن، والمراد أن نوحاً دعا ربه على قومه لما عصوه، فأجاب الله دعاءه، وأهلك قومه بالطوفان. فالنداء هنا هو نداء الدعاء لله، والاستغاثة به، كقوله{ رَّبّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّاراً } نوح 26، وقوله{ أَنّى مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } القمر 10 قال الكسائي أي فلنعم المجيبون له كنا { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } المراد بأهله أهل دينه، وهم من آمن معه، وكانوا ثمانين، والكرب العظيم هو الغرق، وقيل تكذيب قومه له، وما يصدر منهم إليه من أنواع الأذايا { وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَـٰقِينَ } وحدهم دون غيرهم كما يشعر به ضمير الفصل، وذلك لأن الله أهلك الكفرة بدعائه، ولم يبق منهم باقية، ومن كان معه في السفينة من المؤمنين ماتوا كما قيل، ولم يبق إلا أولاده. قال سعيد بن المسيب كان ولد نوح ثلاثة، والناس كلهم من ولد نوح، فسام أبو العرب، وفارس، والروم، واليهود، والنصارى. وحام أبو السودان من المشرق إلى المغرب السند. والهند، والنوب، والزنج، والحبشة، والقبط، والبربر وغيرهم. ويافث أبو الصقالب، والترك، والخزر، ويأجوج، ومأجوج وغيرهم. وقيل إنه كان لمن مع نوح ذرّية كما يدلّ عليه قوله{ ذُرّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } الإسراء 3، وقوله{ قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مّنَّا وَبَركَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } هود 48، فيكون على هذا معنى { وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَـٰقِينَ } ، وذرّيته وذرّية من معه دون ذرّية من كفر، فإن الله أغرقهم، فلم يبق لهم ذرّية. { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلآخِرِينَ } يعني في الذين يأتون بعده إلى يوم القيامة من الأمم، والمتروك هذا هو قوله { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ } أي تركنا هذا الكلام بعينه، وارتفاعه على الحكاية، والسلام هو الثناء الحسن، أي يثنون عليه ثناءً حسناً، ويدعون له، ويترحمون عليه. قال الزجاج تركنا عليه الذكر الجميل إلى يوم القيامة، وذلك الذكر هو قوله { سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ }. قال الكسائي في ارتفاع { سلام } ، وجهان أحدهما وتركنا عليه في الآخرين يقال سلام على نوح. والوجه الثاني أن يكون المعنى وأبقينا عليه، وتمّ الكلام، ثم ابتدأ، فقال سلام على نوح، أي سلامة له من أن يذكر بسوء في الآخرين. قال المبرد أي تركنا عليه هذه الكلمة باقية، يعني يسلمون عليه تسليماً، ويدعون له، وهو من الكلام المحكي كقوله{ سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا } النور 1، وقيل إنه ضمن تركنا معنى قلنا. قال الكوفيون جملة { سلام على نوح في العالمين } في محل نصب مفعول { تركنا } ، لأنه ضمن معنى قلنا.