الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا } * { فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً } * { فَٱلتَّٰلِيَٰتِ ذِكْراً } * { إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ لَوَاحِدٌ } * { رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ } * { إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ } * { وَحِفْظاً مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ } * { لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ وَيُقْذَفُونَ مِن كُلِّ جَانِبٍ } * { دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ } * { إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ } * { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } * { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ } * { وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ } * { فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ }

قوله { وَٱلصَّـٰفَّـٰتِ صَفَّا } قرأ أبو عمرو، وحمزة، وقيل حمزة فقط، بإدغام التاء من الصافات في صاد صفاً، وإدغام التاء من الزاجرات في زاي زجراً، وإدغام التاء من التاليات في ذال ذكراً، وهذه القراءة قد أنكرها أحمد بن حنبل لما سمعها. قال النحاس وهي بعيدة في العربية من ثلاثة جهات الجهة الأولى أن التاء ليست من مخرج الصاد، ولا من مخرج الزاي، ولا من مخرج الدال، ولا من أخواتهن. الجهة الثانية أن التاء في كلمة، وما بعدها في كلمة أخرى. الثالثة أنك إذا أدغمت جمعت بين ساكنين من كلمتين، وإنما يجوز الجمع بين ساكنين في مثل هذا إذا كانا في كلمة واحدة. وقال الواحدي إدغام التاء في الصاد حسن لمقاربة الحرفين، ألا ترى أنهما من طرف اللسان. وقرأ الباقون بإظهار جميع ذلك، والواو للقسم، والمقسم به الملائكة الصافات، والزاجرات، والتاليات. والمراد بـ { الصافات } التي تصفّ في السماء من الملائكة كصفوف الخلق في الدنيا، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة. وقيل إنها تصفّ أجنحتها في الهواء واقفة فيه حتى يأمرها الله بما يريد. وقال الحسن صفاً كصفوفهم عند ربهم في صلاتهم. وقيل المراد بالصافات هنا الطير كما في قولهأَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَــٰفَّـٰتٍ } الملك 19 والأوّل أولى، والصفّ ترتيب الجمع على خطّ كالصفّ في الصلاة. وقيل الصافات جماعة الناس المؤمنين إذا قاموا صفاً في الصلاة، أو في الجهاد، ذكره القشيري. والمراد بـ { الزاجرات } الفاعلات للزجر من الملائكة، إما لأنها تزجر السحاب كما قال السدّي، وإما لأنها تزجر عن المعاصي بالمواعظ، والنصائح. وقال قتادة المراد بالزاجرات الزواجر من القرآن، وهي كل ما ينهى، ويزجر عن القبيح، والأوّل أولى. وانتصاب { صفا } و { زجراً } على المصدرية لتأكيد ما قبلهما. وقيل المراد بالزاجرات العلماء لأنهم هم الذين يزجرون أهل المعاصي. والزجر في الأصل الدفع بقوّة، وهو هنا قوّة التصويت، ومنه قول الشاعر
زجر أبي عروة السباع إذا أشفق أن يختلطن بالغنم   
ومنه زجرت الإبل، والغنم إذا أفزعتها بصوتك، والمراد بـ { ٱلتَّالِيَات ذِكْراً } الملائكة التي تتلو القرآن كما قال ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، ومجاهد، وابن جبير، والسدّي. وقيل المراد جبريل وحده، فذكر بلفظ الجمع تعظيماً له مع أنه لا يخلو من أتباع له من الملائكة. وقال قتادة المراد كل من تلا ذكر الله، وكتبه. وقيل المراد آيات القرآن، ووصفها بالتلاوة، وإن كانت متلوّة كما في قولهإِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ } النمل 76. وقيل لأن بعضها يتلو بعضاً، ويتبعه. وذكر الماوردي أن التاليات هم الأنبياء يتلون الذكر على أممهم، وانتصاب { ذكراً } على أنه مفعول به، ويجوز أن يكون مصدراً كما قبله من قوله { صفاً } ، و { زجراً }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6