الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } * { وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } * { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } * { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } * { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ } * { فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ } * { أَوَلَـيْسَ ٱلَذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاواتِ وَٱلأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ } * { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } * { فَسُبْحَانَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }

ثم ذكر سبحانه قدرته العظيمة، وإنعامه على عبيده، وجحد الكفار لنعمه، فقال { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعـٰماً } والهمزة للإنكار، والتعجيب من حالهم، والواو للعطف على مقدّر كما في نظائره، والرؤية هي القلبية أي أو لم يعلموا بالتفكر، والاعتبار { أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم } أي لأجلهم { مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا } أي مما أبدعناه، وعملناه من غير واسطة، ولا شركة، وإسناد العمل إلى الأيدي مبالغة في الاختصاص، والتفرّد بالخلق كما يقول الواحد منا عملته بيدي للدلالة على تفرّده بعمله، " وما " بمعنى الذي، وحذف العائد لطول الصلة، ويجوز أن تكون مصدرية، والأنعام جمع نعم، وهي البقر، والغنم، والإبل، وقد سبق تحقيق الكلام فيها. ثم ذكر سبحانه المنافع المترتبة على خلق الأنعام، فقال { فَهُمْ لَهَا مَـٰلِكُونَ } أي ضابطون قاهرون يتصرفون بها كيف شاءوا، ولو خلقناها وحشية لنفرت عنهم، ولم يقدروا على ضبطها، ويجوز أن يكون المراد أنها صارت في أملاكهم، ومعدودة من جملة أموالهم المنسوبة إليهم نسبة الملك. { وَذَلَّلْنَـٰهَا لَهُمْ } أي جعلناها لهم مسخرة لا تمتنع مما يريدون منها من منافعهم حتى الذبح، ويقودها الصبيّ، فتنقاد له، ويزجرها، فتنزجر، والفاء في قوله { فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ } لتفريع أحكام التذليل عليه أي فمنها مركوبهم الذي يركبونه كما يقال ناقة حلوب أي محلوبة. قرأ الجمهور { ركوبهم } بفتح الراء. وقرأ الأعمش، والحسن، وابن السميفع بضم الراء على المصدر. وقرأ أبيّ، وعائشة " ركوبتهم " ، والركوب والركوبة واحد، مثل الحلوب والحلوبة، والحمول والحمولة. وقال أبو عبيدة الركوبة تكون للواحدة والجماعة، والركوب لا يكون إلا للجماعة. وزعم أبو حاتم أنه لا يجوز، فمنها ركوبهم بضم الراء لأنه مصدر، والركوب ما يركب، وأجاز ذلك الفراء كما يقال فمنها أكلهم، ومنها شربهم، ومعنى { وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ } ما يأكلونه من لحمها، و " من " للتبعيض { وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ } أي لهم في الأنعام منافع غير الركوب لها، والأكل منها، وهي ما ينتفعون به من أصوافها، وأوبارها، وأشعارها، وما يتخذونه من الأدهان من شحومها، وكذلك الحمل عليها، والحراثة بها { وَمَشَـٰرِبُ } أي ولهم فيها مشارب مما يحصل من ألبانها { أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } الله على هذه النعم، ويوحدونه، ويخصونه بالعبادة. ثم ذكر سبحانه جهلهم، واغترارهم، ووضعهم كفران النعم مكان شكرها، فقال { وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ ءالِهَةً } من الأصنام، ونحوها يعبدونها، ولا قدرة لها على شيء، ولم يحصل لهم منها فائدة، ولا عاد عليهم من عبادتها عائدة { لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ } أي رجاء أن ينصروا من جهتهم إن نزل بهم عذاب، أو دهمهم أمر من الأمور، وجملة { لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ } مستأنفة لبيان بطلان ما رجوه منها، وأملوه من نفعها، وجمعهم بالواو، والنون جمع العقلاء بناء على زعم المشركين أنهم ينفعون، ويضرون، ويعقلون { وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مٌّحْضَرُونَ } أي والكفار جند للأصنام محضرون أي يحضرونهم في الدنيا.

السابقالتالي
2 3 4 5