الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ ٱليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } * { هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى ٱلأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ } * { لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } * { سَلاَمٌ قَوْلاً مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ } * { وَٱمْتَازُواْ ٱلْيَوْمَ أَيُّهَا ٱلْمُجْرِمُونَ } * { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يٰبَنِيۤ ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ } * { وَأَنِ ٱعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ } * { هَـٰذِهِ جَهَنَّمُ ٱلَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } * { ٱصْلَوْهَا ٱلْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } * { ٱلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ فَٱسْتَبَقُواْ ٱلصِّرَاطَ فَأَنَّىٰ يُبْصِرُونَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَىٰ مَكَـانَتِهِمْ فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مُضِيّاً وَلاَ يَرْجِعُونَ } * { وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّـسْهُ فِي ٱلْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ } * { وَمَا عَلَّمْنَاهُ ٱلشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ } * { لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ ٱلْقَوْلُ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

لما ذكر الله سبحانه حال الكافرين أتبعه بحكاية حال عباده الصالحين. وجعله من جملة ما يقال للكفار يومئذٍ زيادة لحسرتهم، وتكميلاً لجزعهم، وتتميماً لما نزل بهم من البلاء، وما شاهدوه من الشقاء، فإذا رأوا ما أعدّه الله لهم من أنواع العذاب، وما أعدّه لأوليائه من أنواع النعيم، بلغ ذلك من قلوبهم مبلغاً عظيماً، وزاد في ضيق صدورهم زيادة لا يقادر قدرها. والمعنى { إِنَّ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } في ذلك { ٱليَوْمَ فِى شُغُلٍ } بما هم فيه من اللذات، التي هي ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، عن الاهتمام بأمر الكفار، ومصيرهم إلى النار، وإن كانوا من قراباتهم. والأولى عدم تخصيص الشغل بشيء معين. وقال قتادة، ومجاهد شغلهم ذلك اليوم بافتضاض العذارى. وقال وكيع شغلهم بالسماع. وقال ابن كيسان بزيارة بعضهم بعضاً، وقيل شغلهم كونهم ذلك اليوم في ضيافة الله. قرأ الكوفيون وابن عامر { شغل } بضمتين. وقرأ الباقون بضم الشين، وسكون الغين وهما لغتان كما قال الفراء. وقرأ مجاهد، وأبو السماك بفتحتين. وقرأ النحوي، وابن هبيرة بفتح الشين، وسكون الغين. وقرأ الجمهور { فَـٰكِهُونَ } بالرفع على أنه خبر إنّ، و { في شغل } متعلق به، أو في محل نصب على الحال، ويجوز أن يكون في محل رفع على أنه خبر إنّ، و { فاكهون } خبر ثانٍ. وقرأ الأعمش، وطلحة بن مصرف " فاكهين " بالنصب على أنه حال، و { في شغل } هو الخبر. وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وأبو حيوة، وأبو رجاء، وشيبة، وقتادة، ومجاهد " فكهون " قال الفراء هما لغتان كالفاره، والفره، والحاذر، والحذر. وقال الكسائي، وأبو عبيدة الفاكه ذو الفاكهة مثل تامر ولابن، والفكه المتفكه، والمتنعم. وقال قتادة الفكهون المعجبون. وقال أبو زيد يقال رجل فكه إذا كان طيب النفس ضحوكاً. وقال مجاهد والضحاك كما قال قتادة. وقال السدّي كما قال الكسائي. { هُمْ وَأَزْوٰجُهُمْ فِى ظِلَـٰلٍ عَلَى ٱلأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ } هذه الجملة مستأنفة مسوقة لبيان كيفية شغلهم، وتفكههم، وتكميلها بما يزيدهم سروراً، وبهجة من كون أزواجهم معهم على هذه الصفة من الاتكاء على الأرائك، فالضمير، وهو { هم } مبتدأ، { وأزواجهم } معطوف عليه، والخبر { متكئون } ، ويجوز أن يكون هم تأكيداً للضمير في { فاكهون } ، وأزواجهم معطوف على ذلك الضمير، وارتفاع متكئون على أنه خبر لمبتدأ محذوف، و { في ظلال } متعلق به أو حال، وكذا على الأرائك، وجوّز، أبو البقاء أن يكون { فِى ظِلَـٰلٍ } هو الخبر، و { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } مستأنف. قرأ الجمهور { في ظلال } بكسر الظاء، وبالألف، وهو جمع ظلّ. وقرأ ابن مسعود، وعبيد بن عمير، والأعمش، ويحيـى بن وثاب، وحمزة، والكسائي، وخلف " في ظلل " بضم الظاء من غير ألف جمع ظلة، وعلى القراءتين، فالمراد الفرش، والستور التي تظللهم كالخيام، والحجال، والأرائك جمع أريكة، كسفائن جمع سفينة، والمراد بها السرر التي في الحجال.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8